فمن ذلك ما روى «١» أن صفية بنت حيىّ بن أخطب قالت: كنت أحبّ الناس إلى أبى، وكان عمى أشدّ حبّا لى، فأتيا النبىّ صلى الله عليه وسلم بقباء، ثم رجعا من عنده ثقيلين لا يلتفتان نحوى، ولا ينظران إلىّ؛ فسمعت عمّى يقول لأبى:
هل تعرفه؟ قال: نعم. قال فماذا عندك فيه؟ قال: عداوته إلى آخر الدّهر، قال عمى لأبى: أنشدك الله أن تطيعنى يأخى فى هذا، ثم اعصنى فيما سواه، هلّم نتبعه، فقال أبى: لا؛ والله لا أراك له عدوّا، فقال عمى: إنك تهلكنا، وتهلك نفسك، إن هذا نبىّ السّيف، وجعل عمى يكلّمه وهو يأبى إلا كلامه الأوّل، قالت صفية:
فلما كان الليل، وجدت نسوة من بنى النّضير جالسات يقلن: والله ما أحسن حيىّ ابن أخطب بخلاف أخيه، إنا لنعلم أن هذا نبىّ مذكور فى الكتب، وقالت عجوز منهنّ: سمعت أبى يقول لإخوتى: إن نبيا من العرب يقال له أحمد، مولده بمكة، ودار هجرته يثرب، وهو خير الأنبياء، فإن خرج وأنتم أحياء، فاتّبعوه؛ قالت صفية: وإذا هن كلهنّ يزرين على أبى، ويتعتّبن عليه فعله.
ومنه ما قاله كعب بن عمرو لبنى قريظة عند حصارهم. وسنذكر ذلك إن شاء الله فى الغزوات، وقد تقدّم خبر بحيرا، ونسطور، فلا فائدة فى إعادته هنا.
[وأما من أظهر صحفا كانت عنده فيها صريح ذكره صلى الله عليه وسلم،]
فمن ذلك ما روى أن رجلا أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم بورقة ورثها عن أبيه عن جدّه، وذكر أن سلفه كانوا يتوارثونها على وجه الدهر، فإذا فيها: «اسم الله وقوله الحق، وقول الظالمين فى تبار، هذا ذكر لأمّة تأتى فى آخر الزّمان، يأتزرون على أوساطهم، ويغسلون أطرافهم، ويخوضون البحر إلى أعدائهم، فيهم صلاة