للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهما قبل الزدراد؛ والمنكح والمركب فأنت وهما فى الموت والفناء على ميعاد، والملابس فستخلقها الأيام بعد الجدّة، والمساكن فستعفّى الليالى آثارها ولو بعد مدّة.

فإذا علمت أن مآل الدنيا إلى الزوال، وقصاراها إلى الانتقال؛ وملاذّها إلى هذه الغاية، والعمر فيها وإن طال سريع النهاية؛ فتقلّل منها حسب طاقتك، واقتصر على ما تسدّ به بعض خلّتك وفاقتك؛ واعمل لآخرتك التى لا ينقضى أمدها، ولا يفنى من النعيم الدائم مددها. وقد أمرتك الخير وليتنى به لو ائتمرت، وأوضحت لك سبيل الرشاد وليتنى به لو مررت.

أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به ... وما استقمت فما قولى لك: استقم!

وسأورد إن شاء الله على سمعك من هذا الباب ما إن تمسّكت به كان سببا لإرشادك، وذخيرة تجدها فى يوم معادك.

[ذكر بيان حقيقة الزهد]

قال الإمام الأوحد العالم زين الدين حجّة المتكلّمين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالىّ الطّوسىّ رحمه الله تعالى فى كتابه المترجم بإحياء علوم الدين: إعلم أن الزهد فى الدنيا مقام شريف من مقامات السالكين. وينتظم هذا المقام من علم وحال وعمل كسائر المقامات؛ لأن أبواب الإيمان كلّها كما قال السلف ترجع إلى عقد وقول وعمل. وكأن القول لظهوره أقيم مقام الحال، إذ به يظهر الحال الباطن، وإلا فليس القول مرادا بعينه؛ وإذا لم يكن صادرا عن حال سمّى إسلاما ولم يسمّ إيمانا.

والعلم هو السبب فى الحال يجرى مجرى المثمر، والعمل يجرى مجرى الثمرة.

فأما الحال فنعنى بها ما يسمّى زهدا، وهو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشئ إلى ما هو خير منه؛ فكلّ من عدل عن شئ إلى غيره بمعاوضة وبيع وغيره فإنّما عدل