للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر توجه العساكر الشامية إلى بلاد الكسروان [١] وإبادة من بها وتمهيدها]

كان أهل جبال الكسروان قد كثروا وطغوا واشتدت شوكتهم، وتطرقوا إلى أذى العسكر الناصرى [٢] عند انهزامه فى سنة تسع وتسعين وستمائة، وتراخى الأمر وتمادى وحصل إغفال أمرهم فزاد طغيانهم وأظهروا الخروج من الطاعة، واغترّوا بجبالهم المنيعة، وجموعهم الكثيرة، وأنه لا يمكن الوصول إليهم، فجهّز إليهم الشريف زين الدين بن عدنان، ثم توجّه بعده فى ذى الحجة سنة أربع وسبعمائة الشيخ تقى الدين ابن تيمية، والأمير بهاء الدين قراقوش الظاهرى، وتحدثا معهم فى الرجوع إلى الطاعة فما أجابوا إلى ذلك، فعند ذلك رسم بتجريد العساكر إليهم من كل جهة ومملكة من الممالك الشامية، وتوجّه نائب السلطنة الأمير جمال الدين آقوش الأفرم من دمشق بسائر الجيوش فى يوم الإثنين ثانى المحرم وجمع جمعا كثيرا من الرجال فيقال إنه اجتمع من الرجالة نحو خمسين ألفا وتوجهوا إلى جبال الكسروانيين [٣] والجرديين وتوجه الأمير سيف الدين أسندمر بعسكر الفتوحات من الجهة التى تلى بلاد طرابلس، وكان قد نسب إلى مباطنتهم، فكتب إليه فى ذلك، فجرّد العزم وأراد أن يفعل فى هذا الأمر ما يمحو عنه أثر هذه الشناعة التى وقعت وطلع إلى جبل الكسروان [٤] من أصعب مسالكه واجتمعت عليهم العساكر فقتل منهم خلق كثير، وتبدد شملهم وتمزقوا فى البلاد، واستخدم الأمير سيف الدين أسندمر جماعة منهم بطرابلس بجامكية وجراية من الأموال الديوانية، وسمّاهم رجال الكسروان [٤] وأقاموا على ذلك سنين وأقطع بعضهم أخبارا من حلقة طرابلس، وتفرق بقيتهم فى البلاد واضمحل أمرهم وخمل ذكرهم، وعاد نائب السلطنة إلى


[١] فى ك «الكيروان» والتصويب من ص والسلوك ٢/١: ١٥، وهى جبال تتصل بسلسلة جبال لبنان ويسكنها الدروز (السلوك ١/٢: ٩٠٢ حاشية للدكتور زيادة) .
[٢] فى الأصول «المنصورى» والصواب ما أثبته لأن هذا العسكر هو عسكر الناصر محمد بن قلاوون فى سلطنته الأولى.
[٣] فى ك «الكيروانيين» والتصويب من ص والسلوك ٢/١: ١٥.
[٤] فى ك «الكيروان» .