للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر من انتهى اليهم الجود في الجاهلية وذكر شىء من أخبارهم]

والذى انتهى اليهم الجود في الجاهلية حاتم بن عبد الله بن سعد الطائىّ، وهرم بن سنان المرّىّ، وكعب بن مامة الإيادى، وضرب المثل بحاتم وكعب، والمشهور حاتم.

وكعب هذا: هو الذى جاد بنفسه، وآثر رفيقه بالماء في المفازة، ولم يشهر له خبر غير هذا. وأما حاتم فأخباره مشهورة منها: أنه كان اذا اشتد البرد، أمر غلامه يسارا، فأوقد نارا في بقاع من الأرض، لينظر اليها من ضلّ عن الطريق، وفي ذلك يقول

أوقد فإن الليل ليل قرّ ... والريح يا واقد ريح صرّ

عسى يرى نارك من يمرّ ... إن جلبت ضيفا فأنت حرّ

قالوا: ولم يك حاتم يمسك غير سلاحه وفرسه، ثم جاد بفرسه في سنة أزمة.

قالت النوار امرأة حاتم: أصابتنا سنة اقشعرّت لها الأرض، واغبرّ أفق السماء، وضنّت المراضع عن أولادها، لا تبضّ بقطرة، وأيقنّا بالهلاك، فو الله، إنّى لفى ليلة صنبرة، بعيدة ما بين الطرفين، إذ تضاغى صبيتنا جوعا، عبد الله، وعدىّ، وسفانة، فقام حاتم الى الصبيّين، وقمت الى الصبيّة، فو الله ما سكتوا إلا بعد هدأة من الليل، وأقبل يعلّلنى، فعرفت ما يريد، فتناومت، فلما تهوّرت النجوم، إذا بشىء قد رفع كسر البيت، فقلت: من هذا؟ فولّى، ثم عاد آخر الليل، فقال من هذا؟ فقالت: جارتك فلانة، أتيتك من عند صبية يتعاوون عوى الذئاب، فما وجدت معوّلا إلا عليك أبا عدىّ، فقال: أعجليهم، فقد أشبعك الله وإياهم، فأقبلت المرأة تحمل اثنين،