هو أبو يحيى الحكم بن ميمون، وقيل: الحكم بن يحيى بن ميمون. مولى الوليد بن عبد الملك، كان أبوه حلّاقا «١» يحلق رأس الوليد، فاشتراه فأعتقه. وكان حكم طويلا أحول، يكرى الجمال ينقل [عليها «٢» ] الزيت من الشأم إلى المدينة. وقيل: كان أصله من الفرس. وكان واحد عصره في الحذق، وكان يغنّى بالدّفّ ويغنّى مرتجلا. وعمّر عمرا طويلا، غنّى الوليد بن عبد الملك، وغنّى الرشيد، ومات في الشّطر من خلافته.
وأخذ الغناء عن عمر الوادىّ، وقد قيل: إن عمر أخذ عنه. قال حمّاد بن إسحاق قال لى أبى: أربعة بلغت في أربعة أجناس من الغناء مبلغا قصّر عنه غيرهم: «معبد» فى الثقيل، و «ابن سريج» فى الرّمل، و «حكم» فى الهزج، و «إبراهيم» فى الماخورىّ.
قال أبو الفرج الأصفهانىّ: وزار حكم الوادىّ الرشيد، فبرّه ووصله بثلاثمائة ألف درهم، وخيّره فيمن يكتب له بها عليه؛ فقال: اكتب لى بها على إبراهيم بن المهدىّ- وكان إبراهيم إذ ذاك عاملا له بالشأم- فقدم عليه حكم بكتاب الرشيد؛ فأعطاه ما كتب له به، ووصله بمثل ذلك، إلّا أنه نقصه ألف درهم من الثلاثمائة ألف وقال له: لا أصلك بمثل ما وصلك أمير المؤمنين. قال إبراهيم بن المهدىّ: وأقام عندى ثلاثين يوما أخذت عنه فيها ثلاثمائة صوت، كلّ صوت أحبّ إلى من الثلاثمائة ألف التى وهبتها له. وقيل: إنه لم يشتهر بالغناء حتى صار إلى بنى العبّاس، فانقطع إلى محمد بن أبى العباس، وذلك في خلافة المنصور، فأعجب به واختاره على المغنّين وأعجبته أهزاجه. وكان يقال: إنه أهزج الناس. ويقال: إنه غنّى الأهزاج في آخر عمره؛ فلامه ابنه على ذلك وقال: أبعد الكبر تغنّى غناء المخنّثين! فقال له: اسكت