الحذّاق القدماء. قال عبيد الله- وذكر صوتا من أصواته-: لمّا صنع أبى هذا الصوت لم يحبّ أن يسمع عنه شىء من الغناء ولا ينسب إليه؛ لأنه كان يترفّع «١» عن ذلك، وما جسّ بيده وترا قطّ ولا تعاطاه، ولكنه كان يعلم من هذا الشأن بطول الدّربة وحسن الثقافة ما لا يعرفه كثير. قال: وبلغ من علم ذلك إلى أن صنع في أبيات أصواتا كثيرة، فألقاها على جواريه، فأخذتها عنه وغنّين بها وسمعها الناس منهنّ [وممن أخذ عنهنّ. فلما أن صنع هذا الصوت:
هلا سقيتم بنى سهم أسيركم ... نفسى فداؤك من ذى غلّة صادى «٢» ]
نسبه إلى مالك بن أبى السمح. وكانت لآل الفضل بن الربيع جارية يقال لها راحة «٣» ، وكانت ترغب إلى عبد الله لمّا ندبه المأمون إلى مصر، وكانت تغنّيه؛ وأخذت هذا الصوت عن جواريه، وأخذه المغنون عنها، وروى لمالك بن أبى السمح مدّة. ثم قدم عبد الله العراق، فحضر مجلس المأمون وغنّى الصوت بحضرته ونسب إلى مالك؛ فضحك عبد الله ضحكا كثيرا؛ فسئل عن القصة فصدق فيها «٤» واعترف بصنعة الصوت. وكشف المأمون عن القصة؛ فلم يزل كلّ من سئل عنه يخبر عمن «٥» أخذه، فينتهى بالقصة إلى راحة ويقف فلا يعدوها. فأحضرت راحة وسئلت فأخبرت بقصته؛ فعلم أنه من صنعته حينئذ بعد أن جاز على إسحاق وطبقته أنه لمالك. ويقال: إنه لم يعجب من شىء عجبه من حذق عبد الله بمذاهب الأوائل وحكاياتهم.
وأمّا عبيد الله،
ويكنى أبا أحمد. قال أبو الفرج الأصبهانى: له محلّ من الأدب والتصرّف في فنونه ورواية الشعر وقوله والعلم باللغة وأيام الناس