فأمّا النسيب وهو التشبيب بوصف الخدود والأصداغ وحسن القدّ والقامة وسائر أوصاف النساء فهذا فيه نظر. والصحيح أنه لا يحرم نظمه وإنشاده بلحن وغير لحن «١» ، وعلى المستمع ألّا ينزّله على امرأة معيّنة إلّا على من تحلّ له من زوجة أو جارية، فإن نزّله على أجنبية فهو العاصى بالتنزيل وإجالة الفكر فيه. ومن هذا وصفه فينبغى أن يجتنب السماع رأسا فإن من غلب عليه عشق نزّل كلّ ما يسمعه عليه سواء كان اللفظ مناسبا أو لم يكن، إذ ما من لفظ إلا ويمكن تنزيله على معان بطريق الاستعارة فالذى غلب عليه عشق مخلوق ينبغى أن يحترز من السماع بأىّ لفظ كان، والذى غلب عليه حبّ الله تعالى فلا تضرّه الألفاظ ولا تمنعه عن فهم المعانى اللطيفة المتعلّقة بمجارى همته الشريفة.
[العارض الرابع في المستمع]
- وهو أن تكون الشهوة غالبة عليه وكان في غرّة الشباب وكانت هذه الصفة أغلب من غيرها عليه، فالسماع حرام عليه سواء غلب على قلبه حبّ شخص معيّن أو لم يغلب. فإنه كيفما كان فلا يسمع وصف الصّدغ والخدّ والوصال والفراق إلا ويحرّك ذلك شهوته وينزّله على صورة معيّنة ينفخ الشيطان بها في قلبه فتشتعل فيه نار الشهوة وتحتدّ بواعث الشرّ. وذلك هو النّصرة لحزب الشيطان والتخذيل للعقل المانع منه الذى هو حزب الله تعالى. والقتال فى القلب دائم بين جنود الشيطان وهى الشهوات، وبين حزب الله وهو نور العقل إلا في قلب قد فتحه أحد الجندين واستولى عليه بالكليّة. وغالب القلوب قد فتحها جند الشيطان وغلب عليها فتحتاج حينئذ الى أن تستأنف أسباب القتال لإزعاجه فكيف يجوز تكثير أسلحته وتشحيذ سيوفه وأسنّته، والسماع مشحّذ