وفكرك فيها اعتبارا، وسعيك لمعادك ابتدارا. وقال عبد الحميد: طالب الدنيا عليل، ليس يروى له غليل.
اجعل صالح عملك ذخرا لك عند ربك، وجميل سيرتك أثرا مشكورا فى الناس بعدك، ليقتدى بك الأخيار، ويزدجر بك الأشرار، تكن بالثواب حقيقا، وبالحمد جديرا. فقد قيل: الاغترار بالأعمار من شيم الأغمار. فلن يبقى بعدك إلا ذكرك فى الدنيا، وثوابك فى الآخرة؛ فاظفر بهما تكن سعيدا فيهما؛ فإنّ الدنيا كأحلام النائم يستحليها فى غفوته، ويلفظها بعد يقظته. وقد قيل فى بعض الصحف الأولى:
احرص على العمل الصالح لأنه لا يصحبك غيره.
انتهى كلام الماوردىّ. وقد بالغ- رحمه الله- فى عهده، وجاد بعظيم برّه وجزيل رفده؛ وأوضح ما إن استمسك به الوزير كفاه، وإن حذا على مثاله كان ذخيرة لدينه ومعونة لدنياه. فليتمسّك به من رفل من الوزارة فى حللها، وارتقى من الرياسة الى شواهقها المنيعة وقللها؛ وأفاضت عليه السياسة برودها، وطوّقته السعادة عقودها.
وليأخذ نفسه به ويرضها عليه؛ وليجعله نصب عينه فيما فوّض من أمور العالم اليه؛ ليفوز بسعادة الدنيا وثواب الآخرة، ويلتحق غدا بذوى الوجوه الناضرة، التى هى إلى ربها ناظرة. وإن عدل عنه وعمل بضدّه فوا خيبة مسعاه، وسوء منقلبه ومثواه، وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ.
[ذكر ما قيل فى وصايا أصحاب السلطان وصفاتهم]
أما صفاتهم فقد ذكر «الحمدونىّ» فى «تذكرته» ما لا بدّ منه لصاحب السلطان وجليسه، ومحادثه وأنيسه؛ ولا يستغنى عنه وزراؤه وندماؤه، وخواصّه وأولياؤه؛ فقال:
من صحب الملوك وقرب منهم فينبغى أن يكون جامعا للخلال المحمودة. فأوّلها العقل،