للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر أخبار دولة بنى زياد]

كان المأمون قد قلد محمد بن عبد الله بن زياد الأعمال التهامية، وما استولى عليه من الجبال، فقدم اليمن فى سنة ثلاث ومائتين ومعه رجل تغلبى يسمى محمد بن هارون قاضيا، وهو جد بنى عقامة، ولم يزل الحكم فيهم يتوارث حتى أزالهم ابن مهدى حين أزال دولة الحبشة على رأس الخمسين وخمسمائة، فاستولى ابن زياد على تهامة بعد حروب جرت بينه وبين العرب، واختط مدينة زبيد فى سنة أربع ومائتين، وكان مع ابن زياد مولى له يسمى جعفر، وهو الذى نسب إليه مخلاف جعفر،/ (٨٥) وكان فيه دهاء وكفاية حتى كانوا يقولون: «ابن زياد بجعفره» واشترط على عرب تهامة ألا يركبوا الخيل، وسيره مولاه إلى المأمون فى سنة خمس ومائتين بهدايا جليلة وأموال عظيمة، فعاد فى سنة ست ومعه ألفا فارس فيهم من مسودة خراسان تسعمائة فعظم أمر ابن زياد، وملك حضر موت وديار كندة والشحر ومرباط، وأبين ولحج وعدن والتّهايم إلى حلى، وملك من الجبال أعمال المعافر/ والجند والمخلاف وقلده جعفرا [١] ، فاختط به مدينة المذيخرة فى جبل ذى أنهار ورياحين واسعة، وخطب لابن زياد بصنعاء وصعدة ونجران وبيحان، ومات سنة خمس وأربعين ومائتين.

وقام بعده زياد بن إبراهيم فلم تطل مدته.

فملك بعده أخوه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم، فامتنع عليه أهل الأطراف، وانقطعت الخطبة له فى الجبال، واستولى سليمان بن طرف على المخلاف، وهو من الشّرجة إلى حلى، وجعل السّكة والخطبة باسمه، فكان مبلغ ارتفاع [٢] عمله فى السنة خمسمائة ألف دينار عثرية [٣] ، وهذا المخلاف هو


[١] رواية ابن المجاور (صفة بلاد اليمن ١/٦٧ و ٢/١٨٣ فى هذا الموضع هكذا: «وملك ابن زياد حضرموت، وديار كندة، والشحر، والمرباط وأبين ولحج وعدن والتهايم إلى حلى، وملك من الجبال::
الجند وأعماله، ومخلاف جعفر المعافر، وصنعاء، وصعدة، ونجران، وبيحان، وواصل ابن زياد الخطبة لبنى العباس، وحمل الأموال والهدايا السنية هو وأولاده من بعده» .
[٢] الارتفاع: يقصد به النويرى، العمل الجامع الشامل لكل عمل، (نهاية الأرب ٨/٢٨٥) .
[٣] فى الهمدانى (صفة جزيرة العرب ص ١٢٠) عثر- بفتح العين وسكون الثاء- وفى الجرافى (المقتطف ص ٥٥ حاشية ١) مخلاف مشهور فى أقصى تهامة الشمالية كان به معدن الذهب، وفى المقدسى (أحسن التقاسيم ص ٨٦) ضبطه بفتح العين والثاء المشددة.