للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر ما قيل فى العقوبة والانتقام]

ومن الناس من يرجّح عقوبة المذنب على ذنبه، ومقابلة المسىء بما يستحقّه من نكاله وضربه؛ ورأى أن العفو عن المجرم موجب لتكراره، والإحسان إلى المسىء مقتض لإصراره؛ وقال: إنّ طباع اللؤم التى حملته على ذلك لا ترتدع بالإحسان، ومرارة الذنب التى استحلاها لا تغيّرها حلاوة الغفران. وأخذ فى ذلك بالكتاب والحديث، وقابل على الذنب القديم بالعذاب الحديث؛ قال الله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ

. وقال تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ

. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل أبى عزّة، لما كان يتعرّض له من أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلب عقبة بن أبى معيط يوم بدر إلى شجرة؛ فقال: يا رسول الله، أنا من بين قريش! قال: «نعم» ؛ قال: فمن للصبية؟ قال: «النار» . وقيل: إنه أوّل مصلوب صلب فى الإسلام. وكان النّضر بن الحارث بن كلدة شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ أسيرا يوم بدر، فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بقتله، فقتل صبرا بيد علىّ بن أبى طالب.

وقال علىّ رضى الله عنه: الخير بالخير والبادئ أفضل، والشرّ بالشرّ والبادئ أظلم.

وقال: «ردّ [١] الحجر من حيث جاءك» فالشرّ لا يدفع إلا بالشرّ؛ وأنشد:

لئن كنت محتاجا إلى الحلم إنّنى ... إلى الجهل فى بعض الأحايين أحوج

ولى فرس للخير بالخير ملجم ... ولى فرس للشرّ بالشرّ مسرج

فمن رام تقويمى فإنّى مقوّم ... ومن رام تعويجى فإنّى معوّج

وقال الجاحظ: من قابل الإساءة بالإحسان فقد خالف الله فى تدبيره، وظنّ أن رحمة الله دون رحمته، فإنّ الله تعالى يقول: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ

وقال:


[١] ورد هذا المثل فى مجمع الأمثال للميدانى ومعناه: لا تقبل الضيم وارم من رماك.