بمسك، فميث [١] فى جفنة عظيمة، ثم دخل الحسين ذلك الفسطاط واستعمل النّورة، ثمّ خرج فركب دابّته، ودعا بمصحف فوضعه أمامه، ورفع يديه فقال:«اللهمّ أنت ثقفى فى كلّ كرب، ورجائى فى كلّ شدّة، وأنت لى فى كل أمر نزل بى ثقة وعدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدوّ أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة منّى إليك عمّن سواك، ففرّجته وكشفته وكفيتنيه، فأنت ولىّ كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كلّ رغبة!» .
وأقبلوا نحو الحسين، فنظروا إلى النار تضطرم فى الحطب والقصب، فقال شمر بن ذى الجوشن: يا حسين استعجلت النار فى الدنيا قبل يوم القيامة. فقال له الحسين: يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها صليّا!.
ثم ركب الحسين راحلته، وحمل ابنه عليّا على فرسه «لاحق» .
[ذكر ما تكلم به الحسين رضى الله عنه قبل إنشاب الحرب وما وعظ به الناس وما أجابوه وما تكلم به أصحابه وما أجيبوا به وخبر مقتله]
قال: ولما ركب الحسين راحلته نادى بأعلى صوته نداء يسمع جل الناس: أيها الناس، اسمعوا قولى، ولا تعجلونى حتّى أعظكم بما يحقّ لكم، وحتّى أعتذر لكم من مقدمى عليكم، فإن قبلتم عذرى وصدقتم قولى وأعطيتمونى النصف كنتم بذلك أسعد ولم يكن