للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو سليمان الدارانىّ: سمعنا فى الزهد كلاما كثيرا، والزهد عندنا ترك كلّ شى يشغلك عن الله عز وجلّ، وقرأ قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ

، قال: هو القلب الذى ليس فيه غير الله. فهذا بيان أقسامه بالإضافة إلى المرغوب فيه وعنه.

وأما أحكامه فتنقسم إلى فرض ونفل وسلامة. فالفرض هو الزهد فى الحرام، والنفل هو الزهد فى الحلال، والسلامة هو الزهد فى الشبهات. فهذه درجاته وأقسامه وأحكامه على سبيل الاختصار.

[ذكر بيان تفصيل الزهد فيما هو من ضروريات الحياة]

قال الغزالىّ رحمه الله: اعلم أنّ ما الناس منهمكون فيه ينقسم إلى فضول وإلى مهمّ؛ فالفضول كالخيل المسوّمة- إذ غالب الناس إنما يقتنيها للترفّه بركوبها وهو قادر على المشى- وغير ذلك مما لا ينحصر. ثم حصر المهمّ الضرورىّ فتميّز ما عداه أنّه فضول. قال: والمهمّ أيضا يتطرّق إليه فضول فى مقداره وجنسه [١] وأوقاته على ما يشرحه من قوله. قال: والمهمّات ستّة أمور، وهى: المطعم، والملبس، والمسكن وأثاثه، والمنكح، والمال، والجاه يطلب لأغراض.

فالمهمّ الأوّل المطعم. ولا بدّ للإنسان من قوت حلال يقيم صلبه، ولكن له طول وعرض ووقت. فأما طوله فبالإضافة إلى جملة العمر فإن من يملك طعام يومه قد لا يقنع به، وهو لا يقصر إلا بقصر الأمل، وأقلّ درجات الزهد فيه الاقتصار على قدر دفع الجوع عند شدّته وخوف المرض. ومن هذا حاله فإذا استقل بما تناوله لم يدّخر [٢] من غدائه لعشائه؛ وهذه الدرجة العليا.


[١] كذا فى الإحياء. وفى الأصل: «وحسنه ... » .
[٢] كذا فى الإحياء. وفى الأصل: «ولم يدخر» بالواو.