إليه جبريل، فضربه بخافقة جناحه فهدمه، وهام من كان حوله على وجهه، وقد تبلبلت ألسنتهم من الدّهش والذّعر، فكانت عنه هذه اللغات التى يتكلم بها سائر الأمم، وهى اثنتان وسبعون لغة، وسميت تلك الأرض التى كان بها بابل.
[ذكر خبر إرم ذات العماد]
وهى التى ذكرها الله عز وجل في كتابه العزيز، فقال تعالى:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) .
وكان سبب عمارتها أن شدّاد بن عاد بن إرم لما سمع وصف الجنة سوّلت له نفسه أن يبنى مثلها. فبنى مدينة بين حضرموت وصنعاء، طولها اثنا عشر فرسخا، وعرضها مثل ذلك. وأحاط بها سورا ارتفاعه خمسمائة ذراع، غشّاه بصفائح الفضة المموّهة بالذهب، فلا يدركه البصر إذا أشرقت عليه الشمس. وبنى داخلها مائة ألف قصر (بعدد رؤساء أهل مملكته) من الذهب والفضّة، وكذلك جذوع سقوفها وأعمدتها. وأجرى في وسطها نهرا صفّح أرضه بالذهب، وجعل على حافتيه أنواع الجواهر واليواقيت بدلا من الحصباء وألقى فيه المسك والعنبر بدلا من الحمأة. وفرّع منه جداول إلى تلك القصور والمنازل، وغرس على شطوطها من الأشجار ما كان لزهره عرف طيّب ورائحة ذكيّة.
زعموا أنه أقام في بنائها ثلاثمائة سنة، فلما تمّ بناؤها، زاد في طغيانه وخرج من حضرموت إليها ليسكنها. فلما أشرف عليها جاءته صيحة من السماء فأهلكته هو وجنوده.