ومقبوضها «١» ، كما قال الوليد بن المغيرة لقريش عند اجتماعهم كما قدمناه، ومن ذلك جمعه بين الدليل والمدلول، وذلك أنه احتجّ بنظم القرآن، وحسن وصفه وإيجازه وبلاغته، وأثناء هذه البلاغة أمره ونهيه ووعده ووعيده، فالتّالى له يفهم موضع الحجّة والتّكليف معا من كلام واحد.
الوجه الثالث من إعجازه- ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات، وما لم يكن ولم يقع فوجد،
كما جاء فى قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ
«٢» .
وقوله فى الروم: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ
«٦» السورة، فكان جميع ذلك: فتح الله مكة، وغلبت الروم فارس، وأظهر الله رسوله، ودخل الناس فى دين الله أفواجا، واستخلف الله المؤمنين فى الأرض، ومكّن دينهم وملّكهم أقصى المشارق والمغارب، وما فيه من الإخبار بحال المنافقين واليهود، وكشف أسرارهم، وغير ذلك.
الوجه الرابع- ما أنبأ به من أخبار القرون السالفة، والأمم البائدة والشرائع الداثرة «٧» ،
مما كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلا من مارس العلوم من أهل الكتاب، واطلع على الكتب المنزلة القديمة، كقصص الأنبياء مع قومهم، وخبر موسى والخضر وذى القرنين ولقمان وابنه وبدء الخلق، وغير ذلك مما فى كتبهم القديمة مما اعترف بصحته العلماء من أحبار يهود، فمنهم من آمن به، ومنهم من صدّ عنه مع عدم إنكارهم لصحته، قال الله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ