للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبب ذلك أن المعتصم كان قد أكثر من الغلمان الأتراك، وكانوا لا يزالون يرون الواحد منهم بعد الواحد قتيلا، وذلك أنّهم كانوا جفاة يركبون الدّواب فيركضونها فى الشوارع، فيصدمون الرجل والمرأة والصبى فيأخذهم الأبناء عن دوابّهم فيضربونهم، وربما هلك أحدهم؛ ثم إن المعتصم ركب يوم عيد فقام إليه شيخ، فقال له: يا أبا إسحاق لا جزاك الله عن الجوار خيرا، جاورتنا وجئت بهؤلاء العلوج من غلمانك الأتراك، فأسكنتهم بيننا فأيتمت بهم صبياننا، وأرملت نساءنا وقتلت رجالنا- والمعتصم يسمع كلامه، ولم ير راكبا بعدها أبدا بل صلّى العيد وسار إلى ناحية القاطول ولم يرجع إلى بغداد.

قال: ولما خرج المعتصم من بغداد استخلف بها ابنه الواثق، وكان المعتصم قد اصطنع قوما من أهل الحوف بمصر واستخدمهم وسماهم المغاربة، وجمع خلقا من سمرقند وأشرو سنة وفرغانة وسماهم الفراغنة، وكانوا من ثقاته فتركهم بعده بها.

وكان ابتداء العمارة بسامرّا فى سنة إحدى وعشرين ومائتين، وبنيت فى أسرع مدة وهى على شاطئ دجلة، وقيل إنّه أنفق على جامعها خمسمائة ألف دينار، وانتقل إليها وجعلها مقر خلافته، وقيل إنّه سماها بهذا الاسم لأنّه لما انتقل إليها بعساكره سرّ كل منهم برؤيتها، فسمّاها سرّ من رأى، ولما خرج المعتصم من بغداد نزل القاطول.

[ذكر القبض على الفضل بن مروان بن أحمد بن عمارة الوزير]

كان الفضل من البردان وكان حسن الخط، فاتصل بيحيى الجرمقانى كاتب المعتصم قبل خلافته، فلما هلك الجرمقانى صار الفضل مكانه، وتوجّه مع المعتصم إلى الشام ومصر فحصّل أموالا كثيرة، فلما صار المعتصم خليفة صار له اسمها وللفضل معناها، واستولى على الدواوين كلها وكنز الأموال،