للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر مبعث إبراهيم- عليه السلام-

قال: فلمّا تمّ لإبراهيم أربعون سنة، جاءه جبريل بالوحى من الله، وأرسله إلى نمروذ، فأقبل إبراهيم ووقف على باب نمروذ ونادى بأعلى صوته: يا قوم، قولوا:

«لا إله إلّا الله وإنّى إبراهيم رسول الله» . فآنتشر الصوت على جميعهم؛ فأحضر نمروذ الوزراء والبطارقة، وأجلسهم فى مجالسهم، وأقام جنوده، وأحضر الأسود والفيلة بسلاسلها، وأقيمت صفوفا عن يمين الدار ويسارها؛ وأمر بدخول إبراهيم؛ فدخل وقال: «باسم الله العظيم» فلمّا توسّط الدار قال بصوت رفيع: يا قوم قولوا: «لا إله إلّا الله خالق كلّ شىء» .

ثم تقدّم إلى نمروذ؛ فقال له بعض وزرائه: من أنت؟ قال: أنا إبراهيم بن تارح رسول ربّ العالمين، أدعوكم إلى عبادته. قال له: من ربّك؟ قال: الذى خلق الناس جميعا. قال نمروذ: إنّ ملكى أعظم من ملكه. قال إبراهيم: الملك والسلطان لله ربّ العالمين. قال: لقد تجرّأت علىّ يا إبراهيم، وأنت تعلم أنّى خلقتك ورزقتك.

فاضطرب سرير نمروذ، وقال إبراهيم: كذبت يا نمروذ، إنّ الله هو الّذى خلقك وخلق الناس أجمعين، ورزقك ورزقهم، وأنت تكفر بنعمته وقد رأيت بعض الآيات؟ قال: هات غير ذلك. فوصف إبراهيم قدرة الله. قال نمروذ: فما الّذى يفعل من قدرته؟ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ

قال نمروذ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ

. قال: كيف تفعل؟ قال: أخرج من الحبس من قد وجب عليه القتل فأطلقه، وأقتل الّذى لم يجب عليه.

قال إبراهيم: إنّ ربّى لا يفعل كذلك، بل الميّت يحييه، والحىّ يميته من غير قتل، ولكن يا نمروذ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ.