مع مليّات أخذت النار منها مأخذها فاسودّت، وتطاولت عليها مدّة الجفاف فاشتدّت؛ وترامت بها مدّة القدم، كأنها فى حيّز العدم؛ صلاب المكاسر، غلاظ المآزر؛ تشبه أخلاقه [١] فى هيجاء السلّم، وتحكى صلابة آرائه فى نفاذ الرأى ومضاء العزم؛ تكظم على الماء بغيظها، فتجود على الأرض بفيضها؛ تمدّ يد أيدها فى اقتضاء إرادتها، وتطلع طلوع الأنجم فى فلك إدارتها؛ وتعانق أخواتها معانقة التشييع، فآخر التسليم أوّل التوديع؛ على أنها تؤذن بحقائق الاعتبار، وتجرى جرى الفلك المدار فى قناة الأعمار:
تمرّ كأنفاس الفتى فى حياته ... وتسعى كسعى المرء أثناء عمره.
يفارق خلّ خلّه، وهو سائر ... على مثل حال الخلّ فى إثر سيره.
ويعلمه التّدوار، لو يعقل الفتى ... بأن مرور العمر فيه كمرّه.
فمن أدركت أفكاره سرّ أمرها، ... فقد أدركت أفكاره سرّ أمره.
ومن فاته، الإدراك أدركه الرّدى: ... إذا جرّعت أنفاسه كأس مرّه.»
[ومما وصفت به الجداول]
قال ابن المعتزّه عفا الله عنه:
على جدول ريّان، لا يقبل القذى: ... كأنّ سواقيه متون المبارد.