كدود كدود القزّ ينسج دائما ... ويهلك غمّا وسط ما هو ناسجه
قال: ولما انكشف لأولياء الله تعالى أنّ العبد مهلك نفسه بأعماله واتبّاعه هوى نفسه إهلاك دود القزّ نفسه رفضوا الدنيا بالكلّيّة؛ حتى قال الحسن: رأيت سبعين بدريّا كانوا فيما أحلّ الله لهم أزهد منكم فيما حرّم الله عليكم. وفى لفظ آخر:
كانوا بالبلاء أشدّ فرحا منكم بالخصب والرخاء، لو رأيتموهم قلتم: مجانين، ولو رأوا خياركم قالوا: ما لهؤلاء من خلاق، ولو رأوا شراركم قالوا: ما يؤمن هؤلاء بيوم الحساب. وكان أحدهم يعرض له المال الحلال فلا يأخذه ويقول: أخاف أن يفسد علىّ قلبى. فمن كان له قلب فهو لا محالة يخاف من فساده، والذين أمات حبّ الدنيا قلوبهم فقد أخبر الله عنهم فقال: وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ
وقال بعضهم: ما من يوم ذرّ شارقه إلا وأربعة أملاك ينادون فى الآفاق بأربعة أصوات: ملكان بالمشرق وملكان بالمغرب يقول أحدهم بالمشرق: يا باغى الخير هلّم، ويا باغى الشرّ أقصر. ويقول الآخر: اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلفا. ويقول اللذان بالمغرب أحدهما: لدوا للموت وابنوا للخراب؛ ويقول الآخر:
كلوا وتمتّعوا لطول الحساب.
[ذكر بيان علامات الزهد]
قال الغزالىّ رحمه الله تعالى: اعلم أنه قد يظنّ أنّ تارك المال زاهد، وليس كذلك؛ فإن ترك المال وإظهار الخشونة سهل على من أحب المدح بالزهد. فكم