قال: لما استولى التتار على قفجاق وتفرقوا، والتحقت طائفة كثيرة منهم ببلاد الروس- وهى بلاد كبيرة طويلة عريضة تجاور القفجاق وأهلها يدينون بدين النصرانية- فلما وصلوا إليهم اجتمعوا كلهم، واتفقوا على قتال التتار إن قصدوهم. فسار التتار إلى بلاد الروس فى سنة عشرين وستمائة، فسار قفجاق والروس إلى طريق التتار ليلقوهم قبل وصولهم إلى بلادهم ويمنعوهم عنها، فبلغ التتار مسيرهم، فرجعوا على أعقابهم. فطمعت القفجاق والروس فيهم، وظنوا أنهم عادوا خوفا منهم، وعجزوا عن قتالهم، فأتبعوهم وساقوا فى إثرهم اثنى عشر يوما، فعطف التتار عليهم وهم على غرة، لأنهم كانوا قد آمنوا ووثقوا بالقدرة عليهم: فلم يجتمعوا للقتال إلا وقد بلغ التتار منهم مبلغا عظيما.
فصبر الطائفتان صبرا لم يسمع بمثله. ودام القتال عدة أيام، فاستظهر التتار عليهم، فانهزمت قفجاق والروس هزيمة فاضحة، وكثر القتل فى المنهزمين، فلم يسلم منهم إلا القليل. ووصل من سلم منهم على أقبح حال، والتتار تتبعهم يقتلون وينهبون ويخربون فاجتمع كثير من أغنياء تجار الروس وأعيانهم، وحملوا ما يعز عليهم، وتوجهوا فى البحر فى عدة مراكب إلى بلاد الإسلام، فلما قاربوا المرسى الذى يقصدونه انكسر منهم مركب فغرق ونجا من فيه وسلم باقى المراكب [وأخبر من بها بهذه الحال]«١»