قال الثعلبىّ- رحمه الله-: اختلف العلماء فى سبب امتحان الله تعالى نبيّه داود- عليه السلام- فقيل: إنه تمنّى يوما من الأيام على ربّه تعالى منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وسأله أن يمتحنه نحو الذى كان يمتحنهم به، ويعطيه من الفضل نحو الذى أعطاهم. قال: وروى السّدّىّ والكلبىّ ومقاتل عن أشياخهم دخل حديث بعضهم فى حديث بعض، قالوا: كان داود- عليه السلام- قسم الدهر ثلاثة أيام «١» : يوما يقضى فيه بين الناس، ويوما لعبادة ربّه، ويوما يخلو فيه بنسائه وأولاده وأشغاله؛ وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب- عليهم السلام- فقال: يا ربّ إنّ الخير كلّه ذهب به آبائى الذين كانوا من قبلى. فأوحى الله تعالى إليه: أنهم ابتلوا ببلايا لم تبتل بها فصبروا عليها؛ ابتلى إبراهيم بالنّمرود وبذبح ابنه؛ وابتلى إسحاق بالذّبح وبذهاب بصره، وابتلى يعقوب بالحزن على يوسف، وإنك لم تبتل بشىء من ذلك. فقال داود عليه السلام:
ربّ فابتلنى بمثل ما ابتليتهم وأعطنى مثل ما أعطيتهم. فأوحى الله تعالى إليه:
إنك مبتلى فى شهر كذا فى يوم كذا فاحترس. فلمّا كان ذلك اليوم الذى وعده الله عز وجل دخل داود محرابه وأغلق بابه، وجعل يصلّى ويقرأ الزبور، فبينا هو كذلك إذ جاءه الشيطان، تمثّل له فى صورة حمامة من ذهب، فيها من كل لون حسن؛ فوقعت بين رجليه، فمدّ يده ليأخذها. وفى بعض الروايات:«ليدفعها إلى ابن له صغير» فلمّا أهوى إليها طارت غير بعيد من غير أن تؤيسه من نفسها؛ فامتدّ إليها ليأخذها، فتنحّت، فتبعها فطارت حتى وقعت [فى كوّة «٢» ] ، فذهب ليأخذها