للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر الفتنة بمكة شرفها الله تعالى]

/ (٢٧٥) وفى هذه السنة فى يوم الجمعة رابع عشر ذى الحجة وقعت الفتنة بمكة- شرفها الله تعالى- وسبب ذلك: أن الحاجّ لما قضوا مناسك الحج توجه بعضهم عائدا إلى الديار المصرية، منهم الأمير علم الدين سنجر الجاولى، ومن صحبه فى يوم الأربعاء ثانى عشر الشهر، وتأخر أمير الركب، وهو الأمير سيف الدين خاص ترك الجمدار الناصرى، والأمير سيف الدين الدمر أمير جاندار، والأمير شهاب الدين أحمد، ومن معهم من بقية الحاج، لصلاة الجمعة بمكة، فلما كان الخطيب على المنبر تعبّث بعض عبيد الأشراف ببعض حاج العراق، الذين حضروا فى الركب العراقى، وتخطفوا شيئا من أموالهم [١] ، والشريف عطيفة بن أبى نمىّ أمير مكة جالس إلى جانب أمير الركب، فاستصرخ الناس، واستغاثوا بالأمير سيف الدين الدمر أمير جاندار، فنهض وتقدم لمنعهم، وتقدمه ولده [خليل] وضرب بعض العبيد، فطعن بحربة، فمات، فاحتد والده، وبادر لطلب ثأره، فقتل أيضا بحربة، وقتل معه أحد أولاد الأمير ركن الدين بيبرس التاجى- متولى القاهرة كان- فوثب الأمير عطيفة، وجرد سيفه، وتوجه نحو العبيد ليردهم، فلم يصنع شيئا، وظهر من ذلك أن إثارة هذه الفتنة كان برأيه وأمره، وذكر أن الذى قتل الدمر هو مبارك بن عطيفة، وثارت الفتنة، فعجل الخطيب الصلاة، وخرج الناس من المسجد الحرام إلى رحالهم وخيامهم، واستحل/ (٢٧٦) الحرم فى هذا اليوم، وتلطف أمير الركب فى الخروج بالناس إلى خيامهم، ووقف فى وجوه القوم من الأشراف والعبيد، فمنعهم من التعرض إلى الحاج، ومن غريب ما وقع فى هذه القضية أنه شاع بالقاهرة المعزية الخبر بقتل الدمر فى يوم مقتله وهو يوم الجمعة المذكور، [وسمعت أنا بعض الناس يتحدث بذلك بعد صلاة العصر من يوم الجمعة المذكور] [٢] ورددت القول على ناقله،


[١] فى السلوك (٢/٣٢٣ و ٣٢٤) أن ذلك كان بتدبير من الملك الناصر مع الشريف عطيفة، وكان الغرض منه التحيل على قتل أمير الركب العراقى المعروف بمحمد الحجيج، وأصله من أهل تبريز، وكان يتقرب من أولاد جوبان، وبلغ عند أبى سعيد منزلة كبيرة، وكان رسوله إلى الملك الناصر غير مرة وكان الناصر يعجب به إلى أن بلغه أنه ذكره فى مجلس أبى سعيد بما لا يحب، فأسرها فى نفسه إلى أن كانت هذه السنة وعرف الناصر أن المذكور هو أمير الركب العراقى، فكتب إلى الشريف عطيفة سرا أن يتحيل فى قتله، فاستجاب لأمر السلطان، وكانت هذه الفتنة التى لم تؤد إلى هدفها، فقد نجا أمير الركب العراقى.
[٢] ما بين القوسين زيادة من نسخة «أ» ص ٢٧٦.