للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وربما تجمّل الرئيس فقال لمؤاكله: اغسل يدك مكانك ولا تبرح. فالغبىّ يغتنم ذلك ويفعل، والفطن يأباه ويسلك سبيل الأدب، فيخفّ على القلب. هذا بعد الطعام.

وأما قبله فجائز أن يغسل اليد بحضرة الرئيس. وأما الخلال فلا يستعمل بحضرته البتة.

وأما آداب الأكل بين يدى الرئيس- ألّا يخلط طعاما بطعام، ولا يغمس اللقمة بالخل ثم يضعها فى الطعام، ونحو ذلك. هذا ما يلزم نديم الملك ومؤاكله. وقد ذكرنا مما يجب للملك على رعيته من المناصحة والأدب والتوقير والتعظيم فيما تقدّم ما يدخل فى هذا الباب، فلا فائدة فى تكراره. فلنذكر ما ورد فى النهى عن صحبة الملوك.

[ذكر ما ورد فى النهى عن صحبة الملوك والقرب منهم]

قد نهت الحكماء عن صحبة الملوك وقالوا: إن الملوك إذا خدمتهم ملّوك، وإن لم تخدمهم أذلّوك. وإنهم يستعظمون فى الثواب ردّ الجواب، ويستقلّون فى العقاب ضرب الرقاب. وإنهم ليعثرون على العثرة اليسيرة من خدمهم فيبنون لها منارا، ثم يوقدون لها نارا، ويعتقدونها ثارا. وقال ابن المقفّع: إن وجدت عن السلطان وصحبته غنى فصن عنه نفسك، واعتزله جهدك؛ فإنه من يأخذه السلطان بحقه يحل بينه وبين لذّة الدنيا وعمل الآخرة. وقال العتّابىّ وقد قيل له: لم لا تقصد الأمير فتخدمه؟ فقال: لأنى أراه يعطى الواحد لغير حسنة ولا يد، ويقتل الآخر بلا سيئة ولا ذنب، ولست أدرى أىّ الرجلين أكون، ولست [١] أرجو منه مقدار ما أخاطر به. وقال لامرأته:


[١] فى الأصل: «وليس» .