به بعد النّكرة، وأكثّر به بعد القلّة، وأغنى به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة؛ وأؤلّف به قلوبا مختلفة، وأهواء متشتّتة، وأمما متفرّقة، وأجعل أمّته خير أمّة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، إيمانا بى، وتوحيدا لى، وإخلاصا بى «١» ، يصلّون قياما وقعودا، وركّعا وسجودا، ويقاتلون فى سببلى صفوفا وزحوفا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضوانى [ألوفا «٢» ] . ألهمهم التكبير والتوحيد، والتسبيح والتحميد، فى مجالسهم ومسيرهم ومضاجعهم ومتقلّبهم ومثواهم؛ يكبّرون ويهلّلون ويقدّسون على رءوس الأشراف، ويطهّرون لى الوجوه والأطراف، ويعقدون الثياب إلى الأنصاف؛ قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم صدورهم؛ رهبان بالليل، ليوث بالنهار. ذلك فضلى أوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم.
قال: فلمّا فرغ نبيّهم شعيا من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فانفلقت له شجرة فدخل فيها، فأدركه الشيطان فأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إيّاها، فوضعوا المنشار فى وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه فى وسطها.
[ذكر قصة إرميا عليه السلام]
قال أبو إسحاق الثعلبىّ رحمه الله: استخلف الله تعالى على بنى إسرائيل بعد قتلهم شعيا عليه السلام رجلا منهم يقال له «ناشية بن آموص» ، وبعث لهم الخضر نبيّا. قال: واسم سمّى الخضر إرميا بن حلقيّا، وكان من سبط هارون ابن عمران. قال: وإنما سمّى الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهى تهتزّ «٣» خضراء. فقال الله عزّ وجل لإرميا حين بعثه إلى بنى إسرائيل: يا إرميا، من قبل أن خلقتك اخترتك، ومن قبل أن أصوّرك فى بطن أمّك قدّستك، ومن