[ذكر خبر الزرع الذى رعته الغنم وما حكم فيه سليمان عليه السلام]
قال الكسائىّ: وبينما داود- عليه السلام- فى يوم قضائه وسليمان بين يديه، إذ تقدّم إليه قوم فقالوا: يا نبىّ الله، إنّا قوم حرثنا أرضا لنا وزرعناها وسقيناها حتى بلغت الحصاد، فجاء هؤلاء وأرسلوا أغنامهم فيها بالليل، فرعتها جميعا حتى لم يبق منها شىء. فقال داود لأصحاب الغنم: ما تقولون؟ قالوا: صدقوا.
فقال لأصحاب الزرع: كم قيمة زرعكم؟ قالوا: كذا وكذا. وقال لأرباب الغنم: كم قيمة أغنامكم؟ فذكروا قيمتها، فتقاربت القيم، فقال: ادفعوا أغنامكم إليهم بقيمة زرعهم. فقال سليمان: يا أبت إن أذنت لى تكلّمت. قال: يا بنىّ تكلم بما عندك.
فقال سليمان لأرباب الغنم: ادفعوا أغنامكم إلى هؤلاء ينتفعوا بأصوافها وألبانها ونتاجها، وخذوا أنتم أرضهم فاحرثوا وازرعوها واسقوها حتى يقوم الزرع على سوقه، فإذا بلغ الحصاد فسلّموا إليهم أرضهم بزرعها وخذوا أغنامكم، فرضوا جميعا بذلك. قال الله تعالى: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً
«١» .
قال: ولما نظر مشايخ بنى إسرائيل إلى جلوس سليمان عن يمين أبيه مع صغر سنّه حسدوه على ذلك. فأوحى الله إلى داود أن يقيم سليمان خطيبا ليسمعهم من الحكمة ما ألهمه الله ليعلموا فضله عليهم. فجمع داود الناس حتى العبّاد والرّهبان وأهل السياحة إلى محرابه، وكانت سنّ سليمان يومئذ اثنتى عشرة سنة، فأخرجه داود إليهم وألبسه لباس النبيّين من الصوف الأبيض وقال: هذا ابنى قد أخرجته إليكم خطيبا ليورد عليكم مما علّمه الله تعالى. فجلس على منبر أبيه وحمد الله تعالى ووحّده، ووصف عجائب خلقه وصنعه؛ فسجدوا شكرا لله، ونظروا إليه بعد ذلك