فلما بلغ الأعراب مسير المعتضد تحالفوا أنّهم يقتلون على دم واحد، واجتمعوا وعبئوا عساكرهم، فسار المعتضد إليهم فى خيل جريدة، فأوقع بهم وقتل منهم وغرّق فى الزاب، وسار إلى الموصل يريد قلعة ماردين وكانت لحمدان، فهرب حمدان منها وخلف ابنه بها فنازله المعتضد، وقاتل من فيها يومه ذلك فلما كان الغد ركب المعتضد، وصعد إلى باب القلعة وصاح لابن حمدان فأجابه، فقال: افتح الباب ففتحه، فجلس المعتضد فى باب القلعة وأمر بنقل ما فيها وهدمها، ثم وجّه خلف حمدان وطلبه أشد الطلب وأخذت أمواله، ثم ظفر به المعتضد بعد عوده من بغداد؛ وفى عوده قصد الحسنيّة وبها رجل كردى يقال له شدّاد، فى جيش كثيف قيل كانوا عشرة آلاف، فظفر به وهدم قلعته. وفيها سار المعتضد إلى ناحية الجبل وقصد الديّنور وولّى ابنه عليا- وهو المكتفى- الرىّ وقزوين وزنجان وأبهر وقمّ وهمذان والدينور، وجعل كتابته لأحمد بن الأصبغ، وقلّد عمر بن عبد العزيز بن أبى دلف أصفهان ونهاوند والكرخ، وعاد إلى بغداد.
[ودخلت سنة اثنتين وثمانين ومائتين]
[ذكر قصد حمدان وانهزامه وعوده إلى الطاعة]
فى هذه السنة كتب المعتضد إلى إسحاق بن أيوب وحمدان بن حمدون بالمصير إليه وهو بالموصل، فبادر إسحاق وتحصّن حمدان بقلاعه وأودع أمواله وحرمه، فبعث المعتضد الجيوش نحوه مع وصيف موشكير «١» ونصر القشورى وغيره فساروا إلى حمدان فواقعوه، فقتل من أصحابه جماعة وانهزم، واتبعه الجند «٢» حتى ضاقت عليه الأرض، فقصد خيمة إسحاق ابن أيوب وهو مع المعتضد فاستجار به، فأحضره إلى المعتضد فأمر بالاحتفاظ به وتتابع رؤساء الأكراد فى طلب الأمان.