الباب الثامن من القسم الأوّل من الفنّ الخامس فى خبر أصحاب الرّس وما كان من أمرهم
قال الكسائىّ: قال كعب: إنّ أصحاب الرّس كانوا بحضرموت، وكانوا كثيرا، فبنوا هناك مدينة كانت أربعين ميلا فى مثل ذلك، فاحتفروا لها القنوات من تحت الأرض، وسمّوها رسّا، وكان ذلك أيضا اسم ملكهم؛ فأقاموا فى بلدهم دهرا طويلا يعبدون الله تعالى حقّ عبادته؛ ثم تغيّروا عن ذلك وعبدوا الأصنام وكان ممّا أحدثوه إتيان النساء فى أدبارهنّ والمبادلة بهنّ، فكان كلّ منهم يبعث بآمرأته إلى الآخر، فشقّ ذلك على النساء، فأتاهنّ إبليس فى صورة امرأة وعلّمهن السّحاق ففعلنه، وهم أوّل من أتى النساء فى أدبارهنّ وساحق؛ فاشتهرت هذه القبائح فيهم.
فبعث الله إليهم رسولا اسمه حنظلة. وقيل: خالد بن سنان. وقيل:
ابن صفوان. فدعاهم إلى طاعة الله، ونهاهم عن عبادة الأصنام وفعل القبائح وحذّرهم وذكّرهم ما حلّ بمن قبلهم من الأمم؛ فكذّبوه؛ فوعظهم دهرا طويلا وهم لا يرجعون، فضربهم الله بالقحط، فقتلوا نبيّهم وأحرقوه بالنار؛ فصاح بهم جبريل صيحة فصاروا حجارة سودا، وخسفت مدينتهم.
وقيل: إن هذه المدينة لم يرها إلّا ذو القرنين، وإنّه رآهم حجارة، ورأى النساء ملتصقات بعضهنّ ببعض، ورأى الملوك على الأسرّة وبين أيديهم الجنود قائمة، بأيديهم الأعمدة والأسلحة، وقد صاروا كلّهم حجارة سودا.
هذا ما حكاه الكسائىّ.
وقال أبو إسحاق الثعلبىّ- رحمه الله تعالى- قال سعيد بن جبير والكلبىّ والخليل بن أحمد- دخل كلام بعضهم فى بعض، وكلّ قد أخبر بطائفة من حديث