ما بالكم بهذا الحزن؟ قالوا: كيف لا نكون كذلك وقد فقدنا ملكنا مع إحسانه إلينا. قال: إنّه لم يمت، ولكنّه احتجب عنكم لغضبه عليكم، ولكونكم لم تعبدوه.
وانطلق إبليس فآتخذ لهم صنما على صورة الملك، ونصبه على سريره، وقال:
هلمّوا إلى الملك فاسمعوا كلامه.
فأقبلوا حتى وقفوا من وراء السّتر، ووقف إبليس فى جوف الصنم شيطانا يكلّمهم بلغة لا ينكرون أنّها لغة الملك؛ ثم قال إبليس: استمعوا. فكلّمهم الشيطان من الصنم وقال: يا آل ثمود، مالى أراكم تبكون؟ قالوا: لفقدك. قال: قد كذبتم، لو كنتم تحبّوننى كما تقولون كنتم عبدتمونى، وقد كنت فيكم أربعمائة سنة ما فيكم من سجد لى سجدة واحدة، والآن فقد ألبسنى ربّى ثوب الألوهيّة، فصيّرنى فيكم لا آكل ولا أشرب، ولا أنام، وأخبركم بالغيوب، فاعبدونى وسمّونى ربّا، فإنى أقربكم إلى ربّى زلفى.
قالوا: يأيها الملك، فلو رأينا وجهك. فرفع إبليس الحجاب حتى رأوه فلم ينكروا من صفاته شيئا، فخرّوا له سجّدا، واتخذوه ربّا؛ وكان فيهم رجل من خيار قوم صالح اسمه حنظلة بن صفوان، ففارقهم ولحق بالحرم، وعبد الله حينا فرأى فى منامه قائلا يقول له: قد أمرك ربّك أن تصير إلى قومك وتحذّرهم عذابه إن لم يرجعوا عن عبادة الأصنام، وتذكّرهم العهود فى البئر، وإن لم يؤمنوا غار ماء البئر حتى يموتوا عطشا.
فآنتبه وخرج من ساعته حتى أتى قومه، فأنذرهم ووعظهم، فهمّوا بقتله فعطّل الله تعالى بئرهم حتّى لم يجدوا فيها قطرة، فأتوا إلى صنمهم فلم يكلّمهم، وأتتهم صيحة من السماء، فهلكوا عن آخرهم.
ويقال: إنّ سليمان صفّد شياطين وحبسهم بهذه البئر؛ والله أعلم.