قال: ودخل الوليد القصر الذى فيه تماثيل النحاس التى عملها هرمس الأوّل فى وقت البودسير الأوّل بن قفطريم. قال: ولما بلغ الوليد جبل القمر رأى جبلا عاليا فأعمل الحيلة وصعد عليه ليرى ما خلفه، فأشرف على البحر الأسود الزفتىّ المنتن، ونظر إلى النيل يجرى عليه كالأنهار الرقاق، وأتته من ذلك البحر روائح منتنة هلك كثير من أصحابه من ريحها فأسرع النزول بعد أن كاد يهلك.
قال: وذكر قوم أنهم لم يروا شمسا ولا قمرا وإنما رأوا نورا أحمر كنور الشمس عند مغيبها. وأقام الوليد فى غيبته أربعين سنة. وأما عون الذى استخلفه بمصر فإنه فعل فى غيبة الوليد ما نذكره إن شاء الله تعالى.
[ذكر خبر عون وما فعله فى غيبة الوليد وخبر المدينة التى بناها]
قال: ولما مضت من غيبة الوليد بن دومع سبع سنين تجبّر غلامه عون بمصر، وادّعى أنه الملك، وأنكر أن يكون غلاما للوليد، وأنه أخوه وقلّده الملك بعده، ووثب على الناس وغلبهم بالسحرة وأسنى جوائزهم ولم يمنعهم محابّهم؛ فمالوا إليه ووثّقوا أمره، فلم يترك امرأة من بنات ملوك مصر إلا نكحها، ولا مالا إلا أخذه وقتل صاحبه. وكان مع ذلك يلزم الهياكل ويكرم الكهنة، فكانوا يمسكون عنه إشفاقا منه وخوفا من السحرة الذين معه؛ إلى أن رأى فى منامه الوليد بن دومع وكأنه يقول له: من أمرك أن تتسمى باسم الملك، وقد علمت أنه من فعل ذلك استحق القتل، ونكحت بنات الملوك وأخذت الأموال بغير واجب، ثم أمر بقدور فملئت زيتا وأحميت على أنه يغمر فيها، فلما غلت أمر بنزع ثيابه فأتى طائر فى صورة عقاب فاختطفه من أيديهم وحلق به فى الجوّ وجعله فى هوّة على رأس جبل، وأنه سقط من رأس الجبل إلى واد فيه حية، فانتبه مرعوبا طائر العقل. وقد