كان فى فعله ذلك وتملّكه إذا خطرت بقلبه من ذكر الوليد خطرة كاد عقله يزول، خوفا منه لما يعلمه من فظاظته وبطشه وقوّته. ولم يتيقّن هلاكه وأضمر فى نفسه الهرب من مصر بما معه من الأموال.
قال: ولما رأى الرؤيا لم يشك فى حياة الوليد وأنه سيعود، فأطلع بعض السّحرة ممن يثق به على أمره وقال: إنى خائف من الوليد وقد عزمت على الخروج من مصر فما الوجه عندكم؟ قالوا: نحن ننجيك منه على أن تقبل منا.
قال: قولوا، قالوا: تعمل عقابا وتعبده؛ فإن الذى حصّنك منه أحد الروحانيين وهو يريد ذلك منك. قال عون: أشهد لقد قال لى وأنا معه: أعرف لى هذا المقام ولا تنسه. قالوا: قد بينا لك. فأجابهم إلى ذلك وعمل عقابا من ذهب وعمل عينيه جوهرتين ووشّحه بأصناف من الجوهر، وعمل له هيكلا لطيفا وجعله فى صدره وأرخى عليه ستور الحرير، وأقبل أولئك يبخّرونه ويقرّبون إليه ويسحرون إلى أن نطق لهم، فأقبل عون على عبادته ودعا الناس إليها فأجابوه.
فلما مضى لذلك مدّة أمره العقاب ببناء مدينة يحوله إليها وتكون معقلا له وحرزا من كل أحد. فأمر عون أصحابه أن يخرجوا إلى صحارى الغرب ويطلبوا كل أرض سهلة حسنة الاستواء، ويكون المدخل إليها بين هجول «١» صعبة وجبال وعرة، ويتوخّوا أن تكون قريبة من ناحية مغيض الماء التى هى اليوم الفيوم. وكانت مغيضا لماء النيل حتى أصلحها يوسف عليه السلام على ما نذكره إن شاء الله. وإنما أراد عون بذلك ليجرّ الماء منها إلى مدينته التى يبنيها؛ فخرج أصحابه وأقاموا شهرا يطوفون الصحارى حتى وجدوا له بغيته، ولم يبق فاعل ولا مهندس ولا أحد ممن