فى منزلها فتغنّيهم. وغنّت عمر بن أبى ربيعة لحنا لها فى شىء من شعره، فشقّ ثيابه وصاح صيحة عظيمة صعق معها. فلما أفاق قال له القوم: لغيرك الجهل يا أبا الخطّاب؛ قال: إنى سمعت والله ما لم أملك معه نفسى ولا عقلى.
وكان حسّان بن ثابت معجبا بها، وكان يقدّمها على سائر قيان المدينة. وقد ذكرنا خبرها مع النعمان بن بشير وحسّان بن ثابت، وأن كلّ واحد منهما سمع غناءها، فبكى حسّان بن ثابت واستعاد النعمان بن بشير صوتها مرارا؛ وتقدّم أيضا من أخبارها فى خبر عائشة بنت طلحة وأخبار جميلة ما يستغنى عن إعادته فى هذا الموضع. فلنذكر من سواها.
ذكر أخبار سلّامة القسّ
كانت سلّامة القسّ هذه مولّدة من مولّدات المدينة، وبها نشأت، وأخذت الغناء عن معبد وابن عائشة وجميلة ومالك بن أبى السّمح ومن دونهم، فمهرت فيه.
وإنما سمّيت سلّامة القسّ لأنّ رجلا يعرف بعبد الرحمن بن أبى عمّار بن جشم بن معاوية- وكان منزله بمكة، وهو من قرّاء أهل المدينة، كان يلقّب بالقسّ لعبادته- شغف بها وشهر بحبها. وكان سبب ذلك أنه سمع غناءها على غير تعمّد منه فبلغ منه كلّ مبلغ. فرآه مولاها فقال: هل لك أن تدخل فتسمع؟ فأبى. فقال له مولاها:
أنا أقعدها حيث تسمع غناءها ولا تراها. فلم يزل به حتى دخل، فأسمعه غناءها فأعجبه. فقال: هل لك أن أخرجها إليك؟ قال لا. فلم يزل به حتى أخرجها فأقعدها بين يديه، فغنّت فشغف بها وشغفت به وعرف ذلك أهل مكة. فقالت له يوما: أنا والله أحبّك. فقال: وأنا والله الذى لا إله إلا هو أحبّك. فقالت:
والله أشتهى أن أعانقك وأقبّلك. فقال: والله وأنا أشتهى مثل ذلك. قالت: