وأجدبت النواحى، وظلم الناس بعضهم بعضا، ولم يكن أحد ينكر ذلك عليهم، وسدّت الهياكل والبرابى، وطيّنت أبوابها، وجاءهم الطوفان وأقبل المطر عليهم، وكان فرعان سكران فلم يقم إلّا بخرير الماء، فوثب مبادرا يريد [الهرب «١» إلى] الهرم فتخلخلت الأرض به، وطلب الأبواب فخانته رجلاه وسقط على وجهه وجعل يخور كما يخور الثور، إلى أن أهلكه الله تعالى بالطوفان، ومن دخل الأسراب منهم هلك بغمّها، ولحق الماء من الأرض والأهرام إلى آخر التربيع، وهو ظاهر عليها إلى الآن، وانقرضت ملوك الدنيا أجمع بالطوفان ولم يسلم إلا أصحاب السفينة كما تقدّم. فعدّة من سمّى لنا من ملوك مصر قبل الطوفان على هذا السّياق تسعة عشر ملكا، ثم ملكها بعد الطوفان من نذكره.
[ذكر من ملك مصر بعد الطوفان من الملوك]
قال إبراهيم بن القاسم الكاتب: قال إبراهيم بن وصيف شاه: أجمع أهل الأثر أنّ أوّل من ملك مصر بعد الطوفان مصريم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام، وذلك بدعوة سبقت له من جدّه. وكان السبب فى ذلك أنّ فليمون الكاهن سأل نوحا عليه السلام أن يخلطه بأهله وولده وقال: يا نبىّ الله، إنى قصدتك رغبة فى الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتصديقك يا نبىّ الله، وتركت وطنى وبلدى فاجعل لى رفعة وقدرا أذكر بهما من بعدى، فزوّج نوح عليه السلام بيصر بن حام بنت فليمون الكاهن فولدت له ولدا سمّاه فليمون مصريم «٢» باسم بلده، فلمّا أراد نوح قسمة الأرض بين بنيه قال له فليمون: ابعث معى يا نبىّ الله ابنى حتى أمضى به إلى بلدى وأظهره على كنوزه وأوقفه على علومه ورموزه، فأنفذه معه فى جماعة من أهل بيته، وكان