وفى ذى القعدة سنة ثلاث وثلاثين وخمسماية ملك [عماد الدين] زنكى مدينة بعلبك وهى لصاحب دمشق. وسبب ذلك أن شهاب الدين محمود صاحب دمشق قتله غلمانه فى هذه السنة كما ذكرنا، وملك بعده أخوه جمال الدين محمد. وكانت والدة محمود زوجة عماد الدين بحلب، فوجدت لذلك وجدا عظيما وحزنت حزنا شديدا وكتبت إلى أتابك زنكى وهو بالجزيرة تعرفه بالحادثة وتطلب أن يقصد دمشق ويطلب ثأر ولدها. فبادر إلى ذلك ولم يتوقف وعبر الفرات عازما على قصد دمشق. فبلغ ذلك صاحبها فاحتاط واستعد، وسار عماد الدين إلى بعلبك فوصل إليها فى العشرين من ذى القعدة، وضيق على أهلها ونصب عليها أربعة عشر منجنيقا ترمى ليلا ونهارا. فأشرف أهلها على الهلاك، فطلبوا الأمان فأمنهم وتسلم المدينة. وبقيت القلعة وبها جماعة من شجعان الأتراك، فلما أيسوا من نصرة معين الدين أتابك صاحب دمشق- وكانت بعلبك له- فطلبوا الأمان، فأمنهم وتسلم القلعة منهم. ثم غدر بهم وصلبهم ولم ينج منهم إلا القليل. فاستقبح الناس ذلك من فعله واستعظموه وحذروه ونفروا منه.
قال: ولما فتح بعلبك كان لمعين الدين بها جارية وكان يهواها، فأخذها زنكى وسيرها إلى حلب، فلم تزل بها إلى أن قتل زنكى، فسيرها نور الدين إلى معين الدين، فكانت أعظم أسباب المودة بينهما. قال: