للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتزوّج موسى صفورا «١» - وهى الصغرى منهما- وطلب عصا؛ فقالت له:

ادخل بيت أبى الّذى يأوى فيه فخذ عصاك. وكان فيه عصىّ كثيرة- فدخل موسى البيت وأخذ من العصىّ عصا حمراء؛ فقال له شعيب: هذه من أشجار الجنة أهداها الله إلى آدم، ثم صارت إلى شيث وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، وكلّهم توكّأوا عليها، فلا تخرجنّها من يدك.

ثم أوصاه وحذّره من أهل مدين، وقال: إنّهم قوم حسدة، وإذا رأوك قد كفيتنى أمر غنمى حسدونى عليك، فدلّوك على وادى كذا وكذا، وهو كثير المرعى، وإنما فيه حيّة عظيمة تبتلع الغنم، فإن دلّوك عليه فلا تمرّ به، فإنّى أخاف عليك وعلى غنمى.

فخرج موسى بالغنم- وكانت يومئذ أربعين رأسا- وقال فى نفسه: إنّ من أعظم الجهاد قتل هذه الحيّة. وتوجه بالغنم إلى ذلك الوادى؛ فلمّا قار به أقبلت الحيّة إلى الغنم، فقتلها موسى ورعى غنمه إلى آخر النهار، وعاد إلى شعيب وأعلمه الخبر؛ ففرح بقتلها، وفرح أهل مدين وعظّموا موسى وأجلّوه؛ وقام موسى بغنم شعيب يرعاها ويسقيها، حتى انقضت المدّة التى بينهما، وبلغت أربعمائة رأس وعزم موسى على المسير.

ذكر خبر خروج موسى- عليه السلام- من أرض مدين ومناجاته ومبعثه إلى فرعون

قال: ولما أراد موسى الانصراف بكى شعيب وقال: يا موسى، إنّى قد كبرت وضعفت، فلا تضيّعنى مع كبر سنّى وكثرة حسّادى، وتترك غنمى شاردة لا راعى لها. قال موسى: إنّها لا تحتاج إلى راع، وقد طالت غيبتى عن أمّى