قال: وكان الرّعاء إذا سقوا غطّوا البئر بصخرة لا يرفعها إلّا جماعة؛ فلمّا انصرفوا تقدّم موسى إلى الصخرة فوكزها برجله، فدحاها أربعين ذراعا على ضعفه من الجوع وسقى غنمهما.
قال الله تعالى: فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.
قال: فتمنّى موسى فى ذلك الوقت شبعة من خبز الشعير؛ وانصرفت المرأتان إلى أبيهما وأخبرتاه بالخبر، فأرسل إحداهما إليه وقال: ائتينى به. قال الله تعالى: فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا.
فقام موسى، وكانت تمرّ بين يديه فكشف الريح عن ساقيها؛ فقال لها:
تأخّرى ورائى ودلّينى على الطريق. فتأخّرت وكانت تقول: عن يمينك وعن شمالك. حتى دخلا مدين؛ وجاء إلى شعيب- وهو شيخ كبير وقد كفّ بصره- فسلّم عليه؛ فردّ عليه ورحّب به وسأله عن خبره. قال الله تعالى: فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
ثم دعا شعيب بالطعام فأكل؛ فقالت ابنته: يا أبت استأجره إنّ خير من استأجرت القوىّ الأمين أرادت بالقوّة رفع الحجر عن رأس البئر واستقاءه بالدلو العظيمة، وأمانته أنّه أخّرها إلى خلفه.