قال ابن إسحاق: واستشار الأنصار عبد الرحمن بن عوف فى إيصال الكتاب الى النبى صلى الله عليه وسلم لمّا ظهر خبره قبل هجرته، فأشار عبد الرحمن أن يدفعوه الى رجل ثقة، فاختاروا رجلا يقال له أبو ليلى وكان من الأنصار، فدفعوا الكتاب إليه وأوصوه بحفظه، فأخذ الكتاب وخرج من المدينة على طريق مكة، فوجد النبىّ صلى الله عليه وسلم فى قبيلة من بنى سليم، فعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه وقال: أنت أبو ليلى؟ فقال: نعم، قال: معك كتاب تبّع الأول؟ قال: نعم، فبقى الرجل متفكّرا، وقال فى نفسه: إن هذا من العجائب، ثم قال له أبو ليلى: من أنت، فإنى لست أعرفك؟ إن فى وجهك أثر السحر، وتوهمّ أنه ساحر، فقال له:
بل أنا محمد رسول الله، هات الكتاب، فأخرجه ودفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذه النبى صلى الله عليه وسلم ودفعه الى علىّ كرم الله وجهه، فقرأه عليه، فلما سمع النبى صلى الله عليه وسلم كلام تبّع قال: مرحبا بالأخ الصالح ثلاث مرّات، ثم أمر أبا ليلى بالرجوع الى المدينة، فرجع وبشّر القوم بقدوم النبى صلى الله عليه وسلّم.
ومن ذلك ما روى أن أبا كرب تبان بن أسعد ملك اليمن «١» أحد التبابعة
لما قصد بلاد الشرق «٢» ، جعل طريقه على يثرب، فلم يهج أهلها، وخلّف بين أظهرهم ابنا له، فقتل غيلة، فقدمها وهو مجمع لإخرابها واستئصال أهلها وقطع نخلها، فجمع له أهل المدينة ورئيسهم يومئذ عمرو بن طلّة أحد بنى النجار؛ وهو عمرو بن معاوية بن عمرو بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن النجّار، وطلّة أمّه؛ وهى بنت عامر بن زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة «٣» .