[ذكر محاصرة مدينة صاحب الزنج وهى المدينة التى سماها المختارة]
قال: ولما أنفذ الموفّق الكتاب إلى صاحب الزنج ولم يرد جوابه، عرض عسكره وأصلح آلاته ورتّب قوّاده، ثم سار هو وابنه أبو العبّاس فى العشرين من شهر رجب سنة سبع وستين إلى مدينة صاحب الزنج، فلما أشرف عليها وتأمّلها ورأى حصانتها بالأسوار والخنادق ووعور الطريق إليها وما أعدّ من المجانيق والعرّادات والقسى وسائر الآلات على سورها مما لم ير مثله ممّن تقدّم من منازعى السلطان، ورأى من كثرة عدد المقاتله ما استعظمه، فلما عاين الزنج أصحاب الموفّق ارتفعت أصواتهم حتى ارتجّت الأرض، فأمر الموفّق ابنه بالتقدّم إلى سور المدينة ورمى من عليه بالسهام، فتقدّم حتى ألصق شذاواته بقصر صاحب الزنج، فكثر الزنج وأصحابهم على أبى العبّاس، وتتابعت سهامهم وحجارة مجانيقهم ومقاليعهم، ورمى عوامّهم بالحجارة عن أيديهم، حتى ما يقع الطرف إلا على سهم أو حجر، وثبت أبو العبّاس، فرأى صاحب الزنج من ثباته وثبات أصحابه ما لا رأى مثله من أحد ممّن حاربهم، ثم أمرهم الموفّق بالرجوع ففعلوا، واستأمن إلى الموفّق مقاتلة من سمارتين فأمّنهم، وخلع على من فيها من المقاتلة والملاحين على أقدارهم ووصلهم، وأمر بادنائهم إلى موضع يراهم فيه نظراؤهم، فكان ذلك من أنجع المكائد، فلما رأوهم الباقون رغبوا في الأمان وتنافسوا فيه وابتدروا إليه، فصار إلى الموفّق في ذلك اليوم عدد كثير من أصحاب السميريّات فعمّهم بالخلع والصلات، فلما رأى صاحب