فرجع نصير من الأبلّة إلى عسكره لما بلغه ذلك، وسار زيرك من طريق آخر، لأنّه قدّر أن الزنج تأتى عسكر نصير من ذلك الوجه، فكان كذلك فلقيهم في طريقه فظفر بهم وانهزموا منه، وكانوا قد جعلوا كمينا فدلّ زيرك عليه، فتوغّل حتى أتاه، فقتل من الكمناء جماعة وأسر جماعة، وكان ممّن ظفر به مقدّم الزنج، وهو أبو عيسى محمد بن إبراهيم البصرى، وهو من أكابر قوادهم، وأخذ منهم ما يزيد على ثلاثين سميرية، فجزع لذلك جميع الزنج، فاستأمن إلى نصير منهم زهاء ألفى رجل، فكتب بذلك إلى الموفّق، فأمره بقبولهم والإقبال إليه بالنهر المبارك، فوافاه هنالك؛ وأمر الموفّق ابنه أبا العبّاس بالمسير إلى محاربة صاحب الزنج بنهر أبى الخصيب، فسار إليه فحاربه من بكرة النهار إلى الظهر، واستأمن إليه قائد من قوّاد الزنج ومعه جماعة، فكسر ذلك صاحب الزنج، وعاد أبو العبّاس بالظفر، وكتب الموفّق إلى صاحب الزنج يدعوه إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى مما ركب من سفك الدماء وانتهاك المحارم وخراب البلدان واستباحه الفروج والأموال وادعاء النبوّة والرسالة، ويبذل له الأمان، فوصل الكتاب إليه فقرأه ولم يكتب جوابه.