والنظر فى المظالم قديم، كان الفرس يرون ذلك من قواعد الملك وقوانين العدل الذى لا يعمّ الصّلاح إلا بمراعاته، ولا يتمّ التناصف إلا بمباشرته؛ وكانوا ينتصبون لذلك بأنفسهم فى أيّام معلومة لا يمنع عنهم من يقصدهم فيها من ذوى الحاجات وأرباب الضرورات.
وسبب تمسكهم بذلك أنّ أصل قيام دولتهم ردّ المظالم. وذلك أن كيومرث أوّل ملوكهم- وقيل: إنه أوّل ملك ملّك من بنى آدم- كان سبب ملكه أنه لمّا كثر البغى فى الناس وأكل القوىّ الضعيف وفشا الظلم بينهم، اجتمع أكابرهم ورأوا أنه لا يقيم أمرهم إلا ملك يرجعون إليه، وملّكوه؛ على ما نورده- إن شاء الله- فى [فنّ] التاريخ فى أخبار ملوك الفرس.
وكانت قريش فى الجاهلية، حين كثر فيهم الزعماء وانتشرت الرياسات وشاهدوا من التّغالب والتجاذب ما لم يكفّهم عنه سلطان قاهر، عقدوا بينهم حلفا على ردّ المظالم، وإنصاف المظلوم من الظالم. وكان سبب ذلك أنّ رجلا من اليمن من بنى زبيد قدم مكة معتمرا ومعه بضاعة، فاشتراها منه رجل من بنى سهم، قيل: إنه العاص بن وائل، فلواه بحقّه؛ فسأله ماله أو متاعه، فامتنع عليه؛ فقام على الحجر وأنشد بأعلى صوته:
يال قصىّ لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائى الدار والنّفر
وأشعث محرم لم تقض حرمته ... بين المقام [١] وبين الحجر والحجر
أقائم من بنى سهم بذمّتهم ... أو ذاهب فى ضلال مال معتمر
[١] كذا فى الأغانى (ج ١٦ ص ٦٤ طبع بولاق) وفى الأصل: «بين الاله ... » .