للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر ما قيل في حدّ العقل وماهيّته وما وصف به

وقد اختلف الحكماء، فى حد العقل، فقيل: حدّه الوقوف عند مقادير الأشياء قولا وفعلا، وقيل: النظر في العواقب، وقال المتكلمون: هو اسم لعلوم اذا حصلت للإنسان صحّ تكليفه. وقيل: العاقل من له رقيب على شهواته، وقيل:

هو من عقل نفسه عن المحارم، وقال عمرو بن العاص: أن يعرف خير الخيرين، وشرّ الشرين.

قال أبو هلال: ومن العجب أن العرب تمثّلت في جميع الخصال، بأقوام جعلوهم أعلاما فيها، فضربوا بها المثل اذا أرادوا المبالغة، فقالوا: أحلم من الأحنف، ومن قيس بن عاصم، وأجود من حاتم، ومن كعب بن مامة، وأشجع من بسطام، وأبين من سحبان، وأرمى من ابن تقن، وأعلم من دغفل، ولم يقولوا: أعقل من فلان، فلعلّهم لم يستكملوا عقل أحد، على حسب ما قال الأعرابىّ، وقد قيل له: حدّ لنا العقل، فقال: كيف أحدّه ولم أره كاملا في أحد قطّ.

وقيل لحكيم: ما جماع العقل؟ فقال: ما رأيته مجتمعا في أحد فأصفه، وما لا يوجد كاملا فلا حدّ له.

وقالوا: لكلّ شىء غاية وحدّ، والعقل لا غاية له ولا حدّ، ولكن الناس يتفاوتون فيه كتفاوت الأزهار في الرائحة والطّيب.

واختلفوا في ماهيّة العقل، كما اختلفوا في حدّه، فقال بعضهم: هو نور وضعه الله تعالى طبعا وغريزة في القلب، كالنور في العين وهو البصر، فالعقل نور في القلب، والبصر نور في العين، وهو ينقص ويزيد، ويذهب ويعود، وكما يدرك بالبصر شواهد