قال الشيخ عبد الوهّاب بن المبارك بن أحمد بن الحسين الأنماطىّ فى كتاب المبتدإ يرفعه الى وهب بن منبّه: إنّ أصحاب الكهف كانوا فتية من الروم، وهم الذين ذكرهم الله تعالى فى كتابه العزيز فقال:(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً)
الآيات التى فى سورة الكهف «١» . قال:
وكان فى إيمانهم عبرة وتفكّر منهم فى عظم الله وجلاله وملكه وسلطانه وأصناف خلقه، لم يأتهم بذلك وحى ولم يقرءوا كتابا، ولم يدركوا زمان نبوّة، وكانوا فى زمن فترة قبل أن يبعث الله عزّ وجلّ عيسى بن مريم عليه السلام، وهذا القول مخالف لما ذكرناه آنفا، فإنّ المساق الذى قدّمناه من أخبار ملوك الروم يقتضى أن بين رفع عيسى عليه السلام وبين ملك دقيوس ما يزيد على مائتى سنة. والله عزّ وجلّ أعلم.
قال: وكانوا شبّانا متقاربين فى السنّ قلّما يتفاوتون، وكانوا من فصيلة واحدة يجمعهم النسب، وكانوا فى حسب عظيم من أحساب الروم، من ولد عظمائهم وملوكهم وأشرافهم، وكان للروم فيهم هوى وصبابة شديدة، وكان ملك الروم الأوّل فى آباء أولئك الفتية وينقل فى فصيلتهم التى كانوا منها أكثر من أربعمائة عام حتى انقرضت تلك الفصيلة وزال الملك عنهم. فكان أولئك الفتية عقب أولئك الملوك وبقيّتهم، وكان الروم يتمنّون ملكهم ويمدّون اليهم أعناقهم لما قد بلغهم ما كان الناس فيه فى زمن أسلافهم من الخفض والدعة والعافية والبسط والأمن والسّعة، فكانوا يؤمّلونهم ويرجونهم، وكانت ملوك الروم قد جفوهم وحرموهم وأقصوهم وأضرّوا بهم مخافة منهم على ملكهم لما يعلمون من رأى الروم فيهم، وكانوا مع