قال الكسائىّ- رحمه الله-: ولما قام سليمان- عليه السلام- من عزاء أبيه داود وتفرّق الطير عن قبره، دخل محراب أبيه، فهبط عليه جبريل- عليه السلام- وقال له: إن الله تعالى يخصّك بالسلام ويقول لك:
الملك أحبّ إليك أو العلم؟. فخرّ سليمان ساجدا لله تعالى وقال: العلم أحبّ إلىّ من الملك، لأنه أنفع الأشياء. فأوحى الله تعالى إليه: إنك تواضعت وأخترت العلم على الملك، فقد وهبت لك العلم والملك، وأضفت إلى ذلك كمال العقل وزينة الخلق، ونزعت عنك العجب «٢» ، وسأطوى لك الدنيا بأسرها حتى تطأها بجيشك وتشاهد عجائبها. فخرّ سليمان ساجدا لربّه، ورفع رأسه فإذا الرياح الثمانية قد وقفت بين يديه وقالت له: إن الله سخّرنا لك، فاركبنا إذا شئت إلى أىّ موضع شئت.
وأقبلت الوحوش والسّباع فوقفت بين يديه وقالت: إن الله أمرنا بالطاعة لك.
وأقبلت الطير وقالت: قد أمرنا أن نظلّك بأجنحتنا ولا نخالفك فى أمر. وفوّض الله- عز وجل- إلى سليمان أمر الدنيا شرقها وغربها.
[ذكر حشر الطير لسليمان بن داود عليهما السلام وكلامها له]
قال الكسائىّ: ولما آتاه الله النبوّة والملك أحبّ أن يستنطق الطير، فحشرت إليه، فكان جبريل يحشر طير المشرق والمغرب من البر «٣» ، وميكائيل يحشر طير الهواء والجبال. فنظر سليمان إلى عجائب خلقها، وجعل يسأل كل واحد منها عن مسكنه