فهمّ الملك أن يؤمن، فقال وزراؤه: إنّ هذه المرأة ساحرة، وهذا الصبىّ مثلها، وقد طردوهما من بيت المقدس، ولم يزالوا به حتى ردّوه عن الإيمان. فأرسل الله تعالى على الملك وقومه صاعقة فأهلكتهم. ثم مضى يوسف بهما حتى دخلوا مصر، ونزلت مريم دار دهقان «١» هناك، ولم يكن لها ما تعيش منه إلّا الغزل، فكانت تغزل الكتّان والصوف بالأجرة لأهل مصر، ويوسف يحتطب ويبيع الحطب مدّة ليس لهم رزق إلا من ذلك.
[معجزة أخرى:]
قال الثعلبىّ قال وهب: كان أوّل آية رآها الناس من عيسى أنّ أمه كانت نازلة فى دار دهقان من أهل مصر أنزلها به يوسف النجّار حين ذهب بها إلى مصر، وكانت داره يأوى إليها المساكين، فسرق للدّهقان مال من خزانته فلم يتّهم المساكين، فحزنت مريم لمصيبة الدهقان. فلمّا رأى عيسى حزن أمّه بمصيبة صاحب ضيافتها قال لها: يا أمّاه، أتحبّين أن أدلّه على ماله؟ قالت: نعم يا بنىّ. قال: قولى له يجمع لى مساكين داره. فقالت مريم ذلك للدهقان، فجمع له المساكين. فلما اجتمعوا عمد إلى رجلين منهم أحدهما أعمى والآخر مقعد، فحمل المقعد على عاتق الأعمى وقال له: قم به. فقال الأعمى: أنا أضعف من ذلك. فقال عيسى:
وكيف قويت على ذلك البارحة!. فلمّا سمعوه يقول ذلك ضربوا الأعمى حتى قام.
فلما استقلّ قائما هوى المقعد إلى كوة الخزانة. فقال عيسى عليه السلام: هكذا احتالا على مالك البارحة، لأنّ الأعمى استعان بقوّته والمقعد بعينيه. فقال المقعد والأعمى: صدق، فردّا على الدهقان ماله. فقال الدهقان لمريم: خذى نصف المال. فقالت: إنى لم أخلق لهذا. قال: فأعطه ابنك. قالت: هو أعظم منى شأنا. والله أعلم بالصواب.