وأدركه بنيق، وهى أعلى الغور، فأكرمه الملك العزيز، وبالغ فى احترامه وساله الأفضل أن يرجع إلى دمشق ليزور قبر أبيه، فأجاب إلى ذلك؛ ثم أشار عليه أصحابه ألّا يفعل، فامتنع. وعاد الأفضل، وسار العزيز إلى الدّيار المصريّة فدخلها فى أواخر شعبان.
وفى مستهلّ جماد سنة تسعين وخمسمائة هبّت رياح عاصفة بالقاهرة من وقت العصر، وسقط فى ثالث الشهر برد كثير أكبره قدر البيض وأصغره قدر النّبق، وصار على جبل المقطم منه شىء كثير كالجبل الثّانى:
ونقل النّاس منه مدّة أربعة أيام؛ ثم سال حتّى ملأ الخندق، ودخل الماء من المرامى الّتى فى السّور إلى القاهرة، وعلا، حتّى خيف على البلد.
ذكر خروج الملك العزيز لقصد الشّام ثانيا ورجوعه وقصد العادل والأفضل الدّيار المصريّة وما تقرر من القواعد
كان سبب ذلك أن الملك الأفضل قلّد وزارة دمشق لضياء الدّين ابن] «١» الأثير الجزرى وحكّمه فى البلاد، فقصد الأمراء بالأذى والاطّراح، وتشاغل الأفضل عنهم. ففارق خدمة الأفضل [فارس الدين]«٢» ميمون القصرى [وشمس الدين]«٣» وسنقر الكبير وعز الدّين سامة، وغيرهم. وحضر بعض هؤلاء إلى الدّيار المصريّة وانضموا إلى الملك العزيز، وقالوا له: إنّ الأفضل مسلوب الاختيار؛ وحرّضوه على قصد دمشق؛ فخرج إليها فى سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.