ذكر خبر مسير موسى إلى مصر واجتماعه بأخيه هارون وأمّه
قال الكسائىّ: وسار موسى من الطّور حتى بلغ العمران؛ وكان هارون يومئذ وزيرا لفرعون على عادة أبيه لا يفارقه ليلا ولا نهارا؛ فبينما هو نائم إلى جنب سرير فرعون إذ أتاه آت فى منامه ومعه شراب فى كأس من الياقوت، وقال: يا هارون اشرب هذه الشربة فهى بشارة بقدوم أخيك من أرض مدين، وأنت شريكه فى الرسالة إلى فرعون.
فانتبه هارون فزعا وظنّ ذلك من الشيطان، وعاد إلى النوم، فعاوده القائل ثلاث مرّات؛ ثم قال له: قم إلى أخيك- وكانت الأبواب مغلّقة- فاحتمله الملك إلى قارعة الطريق وقال له: امض واستقبل أخاك. ثم أتاه جبريل بوحى الله وبشّره بالرسالة، وحمله إلى شاطئ النيل، وموسى إلى الجانب الآخر؛ فكان يكلّمه والريح تحمل كلامه إلى هارون؛ ثم أذن الله لهما أن يلتقيا؛ فجاء موسى إلى الجانب الآخر، فالتقيا؛ وبشّره بشركته فى الرسالة؛ ثم أقبلا إلى أمّهما وجبريل معهما، فطرق هارون الباب وأمّه فى صلاتها، فقامت من محرابها وقالت: من بالباب؟ فقال موسى: أنا ولدك موسى وأخى هارون. ففتحت الباب، ووقعت مغشّيا عليها من الفرح؛ ثم أفاقت؛ وذكر لها موسى ما كان من أمره؛ فسجدت لله تعالى؛ ثم حمل جبريل هارون وأعاده عند رأس فرعون؛ وأقام موسى بقيّة ليلته عند أمّه، وخرج من الغد متنكّرا، فنظر إلى ما أحدثه فرعون فى أرض مصر ورجع حتى أقبلت الليلة الثانية، فخرج وجاء إلى قصر فرعون وبه الحجّاب والحرس والجنود، فقرع الباب بعصاه، فانفتح ودخل حتى بلغ القبّة الأرجوانيّة، فانفتحت وعبرها وفرعون نائم بها، وهارون عند رأسه؛ فقام إليه هارون وقال: لقد عجلت يا أخى. وأخرجه؛ فانصرف، وغلّقت الأبواب كما كانت.