للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سفهه وبذاء لسانه، وما أراه لمعروفك أهلا. فإن أحسنت اليه فلا تحسبه علىّ يدا، وإن لم تحسن اليه لم أعدّه عليك ذنبا، والسلام. فركب أبو العيناء الى الجاحظ وقال له: قد قرأت الكتاب يا أبا عثمان. فخجل الجاحظ وقال: يا أبا العيناء، هذه علامتى فيمن أعتنى به. قال: فإذا بلغك أنّ صاحبى قد شتمك فآعلم أنها علامته فيمن شكر معروفه. وقال أبو العيناء: مررت يوما بدرب بسامرّاء؛ فقال لى غلامى:

يا مولاى، فى الدرب حمل سمين والدرب خال. فأمرته أن يأخذه وغطّيته بطيلسانى وصرت به الى منزلى. فلما كان من الغد جاءتنى رقعة من بعض رؤساء ذلك الدرب مكتوب فيها: جعلت فداك، ضاع لنا بالأمس حمل، فأخبرنى صبيان دربنا أنك أنت سرقته، فأمر بردّه متفضّلا. قال أبو العيناء: فكتبت اليه: أى سبحان الله! ما أعجب هذا الأمر! مشايخ دربنا يزعمون أنك بغّاء وأكذّبهم ولا أصدّقهم، وتصدّق أنت صبيان دربكم أنى سرقت الحمل!. قال فسكت وما عاودنى.

ولأبى العيناء أخبار كثيرة وحكايات مشهورة قد أوردنا منها ما يدخل في هذا الباب وتركنا ما سواه.

[ذكر ما ورد في كراهة المزح]

روى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «من مزح استخفّ به» .

وقال حكيم: خير المزاح لا ينال، وشرّه لا يقال؛ سكرات الموت به محدقة، وعيون الآجال اليه محدّقة. وقال آخر: تجنّب شؤم الهزل ونكد المزاح؛ فإنهما بابان إذا فتحا لم يغلقا إلا بعد عسر، وفحلان إذا لقحا لم ينتجا غير ضرّ. وقالوا:

المزاح يضع قدر الشريف، ويذهب هيبة الجليل. وقالوا: لا تقل ما يسوءك عاجله، ويضرّك آجله. وقالوا: إيّاك وما يستقبح من الكلام، فإنه ينفر عنك