كان عبد الله بن الزبير لمّا احترقت الكعبة- حين غزاه أهل الشام فى أيام يزيد بن معاوية، قد تركها ليشنع بذلك على أهل الشام. وقد اختلف فى سبب حرق الكعبة، فقيل: إن ابن الزبير لما حاصره أهل الشام سمع أصواتا فى اللّيل فوق الجبل «١» ، فخاف أن يكون أهل الشام قد وصلوا إليه، وكانت الليلة ظلماء ذات ريح صعبة ورعد وبرق، فرفع نارا على رأس رمح لينظر إلى الناس، فأطارتها الرّيح، فوقعت على أستار الكعبة فأحرقتها، وجهد الناس فى إطفائها فلم يقدروا، فأصبحت الكعبة تتهافت «٢» ، وماتت امرأة من قريش، فخرج الناس كلّهم مع جنازتها خوفا من أن ينزل عليهم العذاب؛ وأصبح ابن الزبير ساجدا يدعو ويقول: اللهم إنّى لم أعتمد ما جرى، فلا تهلك عبادك بذنبى، وهذه ناصيتى بين يديك.
فلمّا تعالى النهار أمن وتراجع الناس. حكاه أبو الفرج الأصفهانىّ بسند «٣» رفعه إلى أبى بكر الهذلىّ، وقيل فى حرقها غير ذلك.
فلمّا مات يزيد واستقرّ الأمر لابن الزبير، شرع فى بنائها، فأمر بهدمها حتى ألحقت بالأرض، وكانت حيطانها قد مالت من حجارة المنجنيق، وجعل الحجر الأسود عنده، وكان الناس يطوفون من وراء