للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما انقضى مجلس الشراب، ورجع المعظم إلى حسّه، علم أنه لا يجوز له أن يقرّه على ولاية القضاء- وقد شاهد من أمره ما شاهد. ففوّض القضاء للقاضى شمس الدين الخويّى، وخلع عليه. وجلس للحكم بين الناس، وأحسن السّيرة. وانقطع عن مجلس الملك المعظم وحضوره، إلا فى أوقات المواكب، على عادة القضاة.

واستمر على ذلك مدة. ثم ذكره الملك المعظم واشتاق إلى منادمته، وسماع قانونه. فاستدعاه وتحدث معه، واستوحش منه. ثم كلمه فى الحضور إلى مجلس الأنس معه، فى بعض الأوقات، وأنه لا يخليه منه جملة، وتلطف به فى ذلك. فأجابه عن ذلك، بأن قال: إذا أمر السلطان- أعزّه الله بهذا- امتثلت أمره، وفعلت. ولكن يكون هذا بعد عزلى عن منصب القضاء والحكم بين الناس، وتولية قاض غيرى. فإننى لا أجمع بين منصب القضاء وما يضادّه أبدا، لما يترتب على ذلك من فساد عقود أنكحة المسلمين، ويتعلق ذلك بذمة السلطان. فإن أحبّ السلطان ذلك، فليولّ قاض غيرى.

فأعجب الملك المعظم ذلك منه، وسرّبه، وقال: بل نرجّح مصلحة المسلمين على غرضنا. واستقر على القضاء. وما سمع عنه بعد ولائه القضاء ما يشينه فى دينه ولا يغضّ من منصبه- رحمه الله تعالى.

واستهلّت سنة ثمان وثلاثين وستمائة:

فى هذه السنة فى شهر ربيع الآخر، رتّب السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب دار العدل. وجعل افتخار الدين ياقوت الجمالى نائبا عنه بها. ونصب معه شاهدان من العدول، وجماعة من الفقهاء، منهم: