الحمد لله رافع السماء وفاتق رتقها، ومنشئ السّحاب وموكف ودقها؛ ومجرى الأفلاك ومدبّرها، ومطلع النّيّرات ومكوّرها، ومرسل الرياح ومسخّرها؛ ومزيّن سماء الدنيا بزينة الكواكب، وحافظها عند استراق السمع بإرسال الشّهب الثواقب، وهادى السارى بمطالع نجومها فى ظلم الغياهب؛ وجاعل الليل سكنا ولباسا، ومبدّل وحشة ظلمائه يفلق الإصباح إيناسا؛ وماحى آيته بآية النهار المبصرة، ومذهب دجنّته بإشراق شمسه النّيره؛ وباسط الأرض فراشا ومهادا، ومرسى الجبال وجاعلها أوتادا؛ ومفجّر العيون من جوانبها وخلالها، ومضحك ثغور الأزهار ببكاء عيون الأمطار وانهمالها؛ ومكرّم بنى آدم بتفضيلهم على كثير من خلقه، ومذلّل الأرض لهم ليمشوا فى مناكبها وليأكلوا من رزقه؛ وحاملهم على ظهر اليمّ فى بطون الجوارى المنشآت، ومعوّضهم عن أعواد السّفن غوارب اليعملات [١] . خلق كلّ دابّة من ماء وأودعها من خفىّ حكمه ما أودع، وباين بين أشكالهم (فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشى على رجلين ومنهم من يمشى على أربع) . وهدى الطير إلى ما اتخذته من الأوكار واتّخذ لها من المبانى، وجعلها من رسائل المنايا ووسائل الأمانى.
أحمده على نعمه التى كم أولت من منّه؛ ومننه التى كم والت من نعمه، وأشكره على ألطافه التى كم كشفت من غمّه، وأزالت من نقمه.
[١] اليعملة (بفتح الياء والميم) الناقة النجيبة المعتملة المطبوعة والجمع يعمل. وهو اسم لا وصف.