ولما عبر الفرات لم يحضر نور الدين إليه وخافه فراسله واستماله بحسن سياسته، فاستقرت الحال بينهما أن يجتمعا خارج العسكر السيفى، وكل منهما فى خمسمائة فارس. فسار نور الدين يوم الميعاد من حلب بهذه العدة، وسار سيف الدين من معسكره فى خمسة فوارس، فلما رآه نور الدين ترجل وقبل الأرض، وأعاد أصحابه فاجتمعا وتحالفا واتفقا أحسن اتفاق، واستقر نور الدين بحلب وما معها، وسيف الدولة بالموصل وما معها.
[ذكر حصر الفرنج دمشق وما فعله سيف الدين غازى]
وفى سنة ثلاث وأربعين وخمسماية وصل ملك الألمان «١» فى جمع كثير من الفرنج وعزم على ملك الشام، وظن أنه يملكه لا محالة لكثرة أصحابه، واجتمع عليه من بالشام والسواحل من الفرنج. ووصل إلى دمشق وحاصرها، ونزل الميدان الأخضر، فأيقن أهلها بخروجها عن الإسلام. وكان ملكها يوم ذاك مجير الدين أبق بن محمد ابن بورى بن طغرتكين، وليس له من الأمر شىء والحكم فى البلد لأتابكه معين الدين [أنر] مملوك جد أبيه، فأرسل إلى سيف الدين غازى يستنجده، فجمع عساكره والعساكر الحلبية، وسار إلى دمشق، فخافه الفرنج. ثم راسل فرنج الساحل وأوعدهم بحصر بانياس، فاجتمعوا بملك الألمان وقالوا له: «إن هذا ملك بلاد المشرق