وقف عبد الله بن العباس بن الحسين العلوىّ على باب المأمون يوما، فنظر إليه الحاجب ثم أطرق؛ فقال عبد الله لقوم معه: إنه لو أذن لنا لدخلنا، ولو صرفنا لانصرفنا، ولو اعتذر إلينا لقبلنا، فأمّا الفترة بعد النّظرة، والتوقّف بعد التعرّف، فلا أفهمه، ثم تمثّل:
وما عن رضا كان الحمار مطيّتى ... ولكنّ من يمشى سيرضى بما ركب
وانصرف؛ فبلغ المأمون كلامه، فصرف الحاجب وأمر لعبد الله بصلة جزيلة وعشر دوابّ. وحجب بعض الهاشميّين فرجع مغضبا فردّ فلم يرجع، وقال: ليس بعد الحجاب إلا العذاب، لأن الله تعالى يقول: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ.
ذكر ما قيل فى النهى عن شدّة الحجاب
قيل: لا شىء أضيع للمملكة وأهلك للرعيّة من شدّة الحجاب، لأنّ الرعيّة إذا وثقت بسهولة الحجاب أحجمت عن الظلم، وإذا وثقت بصعوبته هجمت على الظلم.
وهذا مخالف لوصيّة زياد لابنه: عليك بالحجاب، فإنّما تجرّأت الرّعاة على السّباع لكثرة نظرها إليها. قال سعيد بن المسيّب: نعم الرجل عبد العزيز لولا حجابه! وعن علىّ رضى الله عنه: إنما أمهل فرعون مع دعواه ما ادّعاه لسهولة إذنه وبذل طعامه. وقال ميمون بن مهران: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فقال لابنه: من بالباب؟ فقال:
رجل أناخ الآن يزعم أنه ابن بلال مؤذّن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ولى شيئا من أمور المسلمين ثم حجب عنه حجبه الله يوم القيامة؛ فقال لحاجبه: